من حِكَم الابتلاء أنه يُنقِّي الصفَّ المُسلم ويقوّيه، ورغم ما يُصيب المُسلمَ من ألم وتعب ومرارة خلال الابتلاء إلا أن الصبر عليه يكفِّر الذنوب ويرفع الدرجات، قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "ما يُصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا غم حتى الشوكة يُشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه".
إنَّ خير الخلق وحبيب الحقِّ (صلّى الله عليه وسلّم): تعرض للأذى والتعذيب ومحاولات الاغتيال المتكررة فصبر، وإنَّ الصحابة الكرام والتابعين ومن سار على دربهم رووا هذه الطريق بدمائهم وعبّدوها بأشلائهم كي يصل إلينا هذا الدين العظيم، قال الله (تعالى): {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}.
والضجر عكس الصبر، يُضيِّع الأجرَ ولا يرفع الكرب، لذلك عندما جاء خبَّاب بن الأرت -رضيَ الله عنه- لرسول الله عليه الصلاة والسلام عندما اشتد به العذاب وبالمسلمين قائلاً: "يا رسول الله: ألا تدعو لنا ألا تستنصر لنا؟!" فاحمرَّ وجهه عليه الصلاة والسلام من كلام خبّاب مع أن جسد خباب كان يحترق، ورغم أنه أرحم الناس وأرق الناس إلا أنه أراد أن يربّي خبابا والمسلمين ويرسم لهم ولنا معالم الطريق فقال: "لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ".
هذه هي طريق المؤمنين الصادقين المجاهدين، هذه هي طريق المُصلحين، طريق مليئة بالأشواك والآلام لكنَّ نهايتها جنّة عرضها السماوات والأرض ونصرٌ عزيز في الدنيا. قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}.
فصبراً أيها المرابطون على ثرى فلسطين الغالية، صبراً أهل غزة فإن موعدكم النصر.. صبراً يا أهالي الشهداء والجرحى فإن موعدكم وأبناءكم الجنَّة، قال تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ *أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}.
وقال (صلّى الله عليه وسلّم): "واعلم أنَّ النصرَ مع الصبرِ وأنَّ الفرجَ مع الكربِ وأنَّ مع العُسرِ يسرا".