التنسيق يحصل عادة بين أطراف متساوية أو متعادلة.. أو متقاربة في القوة والوزن والكفاءة.. والتنسيق يحصل بين أطراف تجمعها مصالح مشتركة بهدف الاستفادة المتبادلة والمتقاربة.. كما يحصل عادة في التنسيق السياسي أو الاقتصادي أو التعاون العسكري والأمني بين الدول والمجتمعات.
وعرفت البشرية أنواعا كثيرة من التنسيق، وهو انتج أشكالا مختلفة من التبادل والتعاون على ضوء مصالح الأطراف المختلفة، أما التنسيق الحاصل في حالتنا ونقصد به التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، فهو تنسيق مختلف ولا يشبه حقيقة التنسيق في شيء.
فالتنسيق الأمني في الضفة الغربية بين أجهزة أمن السلطة ومخابرات الاحتلال يحصل بين أطراف تختلف في القوة وتتباين في امتلاك القوة والتأثير والقدرة على التحرك والفعل.
والأجهزة الأمنية الفلسطينية تأتمر بجهات خارجية عبر ضباط وغرف عمليات يديرها أمريكيون وإسرائيليون.. وتكون مكانة المخابرات الفلسطينية فيها جمع المعلومات وإيصالها فورا للاحتلال.. وتنفيذ ما تطلبه غرف العمليات الموزعة على امتداد الضفة والداخل المحتل.
والأجهزة الأمنية الفلسطينية تتلقى رواتبها وموازناتها وعتادها من جهات خارجية أمريكية وأوروبية.. في حين يدير الاحتلال محطات تشغيل الضباط والعناصر، وتشرف الجهات الإسرائيلية والأمريكية على تدريب هذه الأجهزة وتوظيفها في إطار برامجها وأهدافها.
ثم إن هذه الأجهزة لا تمتلك عقيدة أمنية وطنية نابعة من المصالح الفلسطينية، ولا توجد رقابة فلسطينية قضائية أو قانونية أو سياسية عليها، والشعب الفلسطيني لا يمتلك معلومات حقيقية عن أعمالها والتي يجب أن تكون من خلال مؤسسات المجتمع وأجهزته الرقابية والإعلامية والحقوقية.
ثم إنه لا تظهر أي مصلحة وطنية فلسطينية في كل الأعمال الأمنية التي تمارسها أجهزة السلطة التي تنشغل فقط في مراقبة المقاومة ومتابعة المقاومين وملاحقة المساجد والجامعات والمنتديات، وهذه الأجهزة وضعت نفسها في خانة ملتصقة بالاحتلال.. فهي تنفذ أوامره وتتعهد بقمع كل من يخالفه، حتى إن ضباط وعناصر الأجهزة الأمنية فاتحة على حسابها في التنسيق والتعاون والارتباط بالاحتلال في سابقة تاريخية.
ولقد عبر محمود عباس أكثر من مرة عن أنه يجلس تحت بساطير الاحتلال، وأنه ينسق أمنيا معه، وأنه سيقمع كل من يقاوم المحتل، وعليه فإن الحالة التي نعيشها في ساحتنا الفلسطينية والتي يطلق عليها تنسيق أمني.. هي ليست تنسيقا ولا ما يحزنون ولا تشبه عمليات التنسيق المعروفة عالميا في شيء، الذي يحصل هو عملية تبعية عمياء للاحتلال، والقصة قصة عمالة لا أكثر.
كل يوم يتأكد لنا، خاصة غداة استشهاد المقاوم عمر أبو ليلى بعد مواجهة مع الاحتلال جاءت على إثر معلومات زودته بها أجهزة أمن السلطة، أن الأجهزة الأمنية للسلطة هي القوة الخاصة الإسرائيلية العاملة داخل المجتمع الفلسطيني.
هؤلاء هم من قدم معلومات عن الشهداء جرار والبرغوثي ونعالوة... هؤلاء التصقوا بالاحتلال واندمجوا في مشروعه حتى العظم، ويحملون لشعبنا ومقاومتنا كل الحقد الأعمى.
هؤلاء هم كالاحتلال تماما: يعتبرون المقاومة إرهابا والعمليات ضد الاحتلال عنفا وجريمة، ويحاربون المقاومين بشكل أبشع من معاملة الاحتلال.. لا بل تفوقوا على وحشيته.
لكن ستظل شمس المقاومين تشرق من حين لآخر.. ولن تستطيع أجهزة أمن السلطة والاحتلال كسر إرادة الفلسطينيين.. ولنا نموذج الشهيد أبو ليلى الذي سبقه الآلاف مثله.
نحن أمام نموذج رائع من الشهادة والتضحية والبطولة.. وإن نموذج أبو ليلى سيتكرر كما الأبطال يحيى عياش وحسن سلامة وآلاف الأسماء.