وصلت في مقالي السابق إلى نتيجة مفادها أن "أي كلمة أو تغريدة أو موقف من السهل تصنيفه في كفة تعميق الانقسام وتغذية الصراع الداخلي، وبالتالي خدمة شياطين المنطقة وما يريده الاحتلال، أم أنها في كفة الدعوة للوحدة وتصليب روح المقاومة وسلمية النسيج الوطني في هذا الوطن الغالي". لذلك كان لا بد من استشعار أمانة الكلمة بكل صدق وأمانة وحرص شديد على أمن وأمان شعبنا الذي عانى طويلا وكثيرا من ويلات ظلم أبشع احتلال عرفه التاريخ .
- الانتصار للقيم: هناك في عالم القيم ما هو أهم من أي منافسة سياسية أو تسجيل نقاط طرف على آخر، فأن ننتصر على أنفسنا لقيمة دينية أو وطنية أو إنسانية هو الأهم في حياتنا السياسية، فمن المواقف التي دفع فيها مجتمع المدينة المسلم القائد العام وهو رسول الله أن ينحاز في قضية مطروحة لمسلم ضد خصمه اليهودي ، ولكن الانحياز للقيمة أهم من الانحياز لمن اشترك معه حتى لو كانت شراكة الدين ، وكان أن أعلن الوحي السماوي أن الحق مع اليهودي ونهى رسول الله أن يقف مع المسلم ضد اليهودي لأن الانحياز لقيمة العدل هو الأساس ولو كانت مع يهودي ضد مسلم " ولا تكن للخائنين خصيما " ، وسمى المسلم المعتدي على اليهودي خائنا وبَرأ اليهودي من التهمة التي وجهت إليه ظلما وزورا .
- الصورة العامة للشعب الفلسطيني الان هي صورة لا نحسد عليها ، ولا يختلف اثنان على أهمية أن تكون صورة الضحية لاحتلال بغيض من هذا النوع صورة تعكس حجم المأساة وظلم هذا الاحتلال ، بينما الواقع الان يبعد الاضواء عن هذا الاحتلال ويريحه ليصب كل الاضواء على ما يجري في ميدان المحتلين من حالة بأسهم الشديد الذي بينهم . فلننتبه جيدا للصورة التي نصدرها للناس هذه الايام ، صفحة المنسق الناطقة باسم الاحتلال تصدر صورة جميلة لأبشع احتلال في التاريخ ونحن نصدر صورة بشعة لأعظم شعب مظلوم ولأقدس قضية في العالم ؟!!!
- المصالحة لا تحتمل التأجيل: أن ننتبه جيدا الى حالة التدحرج للأمور الى اين تصل بنا ؟ ولنحذر من التطمينات المخادعة ، لقد باتت المصالحة في اشد حالاتها ضرورة ولم تعد ترفا سياسيا يحتمل التأجيل ، فإما نكون ذاهبين باتجاه المصالحة والسلم الاهلي والشراكة السياسية الحقيقية والانتحابات التي تضمن التداول السلمي للسلطة وفق العرف العصري المتحضر أو لا سمح الله الانزلاق الى ما لا تحمد عقباه وبالتالي تقديم أفضل خدمة للمحتل . فليعلي احرار هذا البلد صوتهم وليتحركوا كل حسب وزن ما قدم لهذه القضية على الاقل ، الاسرى المحررون الذين أوقفوا سنوات سجنهم الان على حبال المصالحة ، أهالي الشهداء الذين تحلق ارواحهم في سمائنا معلنة النفير وتصدح في قلوبنا ، اصحاب القضية الذين تحترق قلوبهم على ضياع آمالهم وآلامهم .. المصالحة مطلب جماهيري بات لا يحتمل التأجيل أبدا .
هناك قيم الآن تنتهك وهناك من ينصب نفسه محاميا لمن ينتهك هذه القيم ، لماذا ؟ إن من أدبياتنا الأساسية أن قمع تظاهر الناس مهما كانت مبرراته غير مقبول ومدان فلماذا نجد البعض من يبحث عن مسوغات له ؟؟ كم عانينا من توغل الأمن في حركة الشارع فلماذا الآن نجد من يبرر لهذا الأمن في توغله ؟ دوما نقول إن من يعلي راية الدين هو كالشجرة المثمرة يرميها الناس بالحجر فترميهم بالثمر وهذه من أقوال الإمام حسن البنا المشهورة ، لماذا لا نقول للمحتجين : رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي (مقولة عمر رضي الله عنه) .. من السهل أن نقولها وندرسها للناس "في الوساع" ، من السهل أن نقولها في مسجد مكيف أو تحت مروحة نتمطى ونمغط لساننا بها ونروي ما كان عليه عمر عندما انتصر للقبطي عندما ضربه ابن والي مصر عمرو بن العاص وبرّر لطمة ابن القبطي حيث كان مبرره فيها أنه ابن الأكرمين .. أعطاه عمر العصا ذاتها التي يصحح بها الخلل في القيم وقال : اضرب ابن الاكرمين ، وقال مقالته الشهيرة عابرة القارات والتاريخ : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ .. الأكرمون وأبناء الاكرمين اليوم هم الكل الفلسطيني الذي يُضرب بالعصا الصهيونية منذ اكثر من سبعين عاما فلا يمكن أن يستوعب أيّ حر في يوم من الايام صورة العصا التي تُرفع على الفلسطيني الا من كان عبدا ولم يعرف قيمة ان يكون حرا وقيمة أن يتحرر شعبه من هذا الاحتلال البغيض .
من السهل تدريس هذه القيم التي تحفظ حقوق الانسان ولكن تطبيقها ونحن على المحك وفي حمأة الشد السياسي الذي نشهد وفي ظل مؤامرات تطال كل قيم القضية التي ضحينا من أجلها كثيرا .. هنا مكمن الرجال الاوفياء لمبادئهم عندما ينتصرون للقيم وينفضون عن قلوبهم دعوات الهجوميّين الذي لا يدركون روح القيم التي وجدت أصلا حركاتهم من أجلها ومن أجل تأصيلها في حياة شعوبهم .