يشكّل رفع الإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة في رام الله على قطاع غزة، وعقد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، وإنهاء اتفاق أوسلو، خطوات أساسية مطلوبة من رئيس السلطة محمود عباس اتخاذها لتحقيق الوحدة الوطنية ومحاربة الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض على القطاع منذ 13 سنة، لكن الرجل الثمانيني يعرض عنها، بحسب مراقبين.
وفاقمت الإجراءات العقابية التي شملت قطاعات حيوية كالصحة والكهرباء منذ مارس/ آذار 2017 معاناة الغزيين، في الوقت الذي يسعى عباس كما يؤكد مراقبون إلى إحكام احتكاره للسلطات كافة.
ويقول المدير العام لمركز "باحث" للدراسات الإستراتيجية وليد علي: إن مشروع السلطة في رام الله الناتج عن "أوسلو" يؤدي إلى مزيد من الإشكالات في الساحة الفلسطينية، عادا أنها "أسست لتخدم المشروع الصهيوني".
ويوضح علي لصحيفة "فلسطين" أن حصار غزة والانقسام الذي تسببه سياسات السلطة تخدم هذا المشروع.
ويشير إلى أن قانون الصراع يؤكد أنه ما دام الاحتلال جاثما على الأرض فإن المقاومة هي اللغة الوحيدة التي يمكن أن يفهمها هذا الاحتلال، مبينا أن ميزان القوى الوحيد بيد الشعب والمقاومة.
ويتابع بأن اتفاق السلطة مع الاحتلال يبدأ بالتنسيق الأمني بينهما و"التآمر على المقاومة"، مشددا على أن الإجراءات العقابية المفروضة على القطاع مدانة، ولا يمكن لأي إنسان وطني وعروبي ومسلم أن يقبل بالحصار "الذي تفرضه السلطة" علىغزة.
ويرى أن الاحتلال هو الذي يفرض على عباس لمن يدفع رواتب ولمن لا يدفع، ويتحكم بمسيره وانتقاله من مكان لآخر، وهو ليس حرا بقراراته لأن سلطته ليست حرة.
ويتوجب على عباس دعوة الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير إلى الانعقاد، لإعادة بناء المنظمة، بحسب علي.
ويضيف: الإطار القيادي تأسس عبر اتفاقات القاهرة، ولكي تبقى منظمة التحرير ممثلا للشعب الفلسطيني عليها التمسك بميثاقها وبالهدف الذي أسست من أجله وهو التحرير والعودة، أما إذا تخلت عن هذا البرنامج وأصبحت أطرها مهلهلة وتوظيفاتها حزبية نفعية فهذا لا يتفق مع هدف الشعب الفلسطيني.
ويتابع أن إعادة بناء المنظمة يستدعي انتخابات شاملة يشارك فيها كل الشعب الفلسطيني.
وبعكس ما نصت عليه اتفاقات المصالحة، عقد عباس الذي يترأس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، مجالس المنظمة دون توافق وطني العام الماضي.
مبادرة أولية
من جهته يقول الدبلوماسي الفلسطيني السابق ربحي حلوم: على عباس الذهاب إلى قطاع غزة ليقول للفلسطينيين هناك: تعالوا نلتقي ونكسر الحصار ونعيد الفرحة لشعبنا، ونرسخ وجود البندقية المقاومة في مواجهة الاحتلال.
ويبين حلوم أن هذه الخطوة "مبادرة أولية" يتعين على رئيس السلطة اتخاذها لإعادة اللحمة الوطنية.
ويوضح أن على عباس الذهاب أيضًا للقطاع لإعادة بناء منظمة التحرير بدءًا بإعادة تشكيل المجلس الوطني على قاعدة الانتخابات في كل أماكن التواجد الفلسطيني.
لكن حلوم يستبعد إقدام عباس على هذه الخطوات، لافتًا إلى أنه باق في موقعه كرئيس للسلطة رغم كون ذلك "غير شرعي" بحسب كل الوقائع القانونية والسياسية.
ويقول حلوم: إن شرعية عباس انتهت منذ عام 2009، لكنه لا يزال "يجثم على صدر شعبه"، مضيفا أنه يزعم رفضه لما يسمى "صفقة القرن"، وعليه أن يتصرف ميدانيا بما يقول.
ويضيف أن ذلك يقتضي إعلان عباس على الفور انسحابه من اتفاق "أوسلو الكارثي" الذي كان عرّابه من ألفه إلى يائه منذ ما قبل اللقاءات السرية التي رافقت مباحثات مدريد في تسعينيات القرن الماضي.
ويلفت إلى أن عباس هو صاحب فكرة أوسلو ومنفذها وبالتالي يتحمل المسؤولية التاريخية الأولى فيما لحق بشعبه ووطنه من "كوارث" نتيجة هذا الاتفاق، وعليه أن يعلن اعترافه بخطئه في ارتكاب هذا "الإثم" وينسحب من هذا الاتفاق.
ورغم كون هذا الاتفاق "مجحفا" بكل الحقوق الفلسطينية، والكلام لا يزال لحلوم، فإن الاحتلال لا يلتزم بنصوصه، ولا بكل المفاوضات التي أجراها مع السلطة منذ 26 سنة حتى حينه.
ويشير إلى أن هذا التنصل الذي ينتهجه الاحتلال، يجب أن يكون دافعا لعباس للانسحاب من "أوسلو" والعودة إلى الشعب الفلسطيني.
ويؤكد حلوم أنه إذا اتخذ عباس هذه الخطوة فإن الشعب "سيحتضنه وسيدعمه".
لكن الدبلوماسي السابق يرى أن إقدام عباس على ذلك "مستحيلًا؛ لأنه لو كان لديه الإحساس بالمسؤولية لفعلها منذ زمن بعيد".