يدرك "نتنياهو" ويعرف أن قانون شرعنة وتبييض البؤر الاستيطانية؛ وهو ما يعرف بقانون التسوية؛ هو لسلب ونهب المزيد من أراضي الضفة الغربية لصالح التوسع الاستيطاني؛ وهو باطل من ناحية القانون الدولي؛ ولكنه مضى في إقراره، وأصر على التصويت عليه؛ وإقراره بالقراءات الثلاث؛ كون "نتنياهو" قارئا ودارسا للمحيط الإقليمي والفلسطيني وللتغيرات الدولية مع مجيء "دونالد ترمب"؛ الذي لم يستنكر خطط بناء 8000 وحدة استيطانية جديدة بعكس "أوباما"، وينوي علانية نقل سفارة أمريكا للقدس المحتلة.
"نتنياهو" قرأ جيدا وضع السلطة الفلسطينية؛ فهي لا تقدر على حماية أملاك مواطنيها، ولا تقدر أن تمنع مصادرة أراضي المزارعين البسطاء والفقراء في الضفة الغربية؛ كون الأراضي التي يجري فوقها التجريف الاستيطاني والمصادرات تقع في أراضي "ج"؛ التي هي من مسئولية الاحتلال أمنيا وإداريا، وبالتالي لا يوجد هامش أو حيز بسيط لدى السلطة للدفاع عنها وعدم مصادرتها؛ لالتزامها باتفاقية "اوسلو" التي وقعت عليها وهي في أضعف مراحلها، أمام احتلال قوي جدا؛ متغطرس ومتعالٍ؛ بالدعم الغربي والأمريكي.
انعكس إقرار قانون السلب والنهب سريعا على الرئاسة الفلسطينية؛ كونها أول المتضررين منه؛ حيث قال الناطق باسم رئاسة السلطة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة: إن المصادقة "الإسرائيلية" على "قانون التسوية"، بالقراءتين الثانية والثالثة، أمر "مرفوض ومدان"؛ وإن القانون مخالف لقرار مجلس الأمن الدولي 2334 (أقره المجلس بأغلبية 14 صوتا في ديسمبر 2016).
هكذا قانون يضعف السلطة أكثر وأكثر ويحرجها أمام شعبها، وهو ما قد يدفعها حقيقة للتوجه لمحكمة الجنايات الدولية رغم تهديدات "ترمب"، وتهديدات "نتنياهو"؛ لأنها إن لم تفعل ذلك؛ سيتشجع أكثر "نتنياهو" على تطبيق القانون؛ ويسارع لتحويل 120 بؤرة استيطانية إلى مستوطنات جديدة؛ والاستيلاء سريعا وبشكل قانوني- باطل - على ما يسمى بمناطق “C” والتي تصل مساحتها لما نسبته 62% من أراضي الضفة الغربية.
في حال عدم وجود ضغط عربي وفلسطيني من قبل من يدافعون عن فكرة حل الدولتين؛ فإن القانون سيعمل على القضاء على فكرة إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة وحقيقية، ويهدف إلى تحويل السلطة الفلسطينية إلى سلطة كانتونات ومعازل عديمة الفائدة أو السيادة.
ثلاث منظمات "إسرائيلية" يسارية، وهي: "السلام الآن" و"يش دين" و"بتسليم" أدانت قرار مصادقة الاحتلال على القانون؛ كونه مخالفا للقانون الدولي، ووصفت المنظمات الثلاث القرار بأنه "وصمة عار"، و"غير قانوني، وغير أخلاقي"، وأن القانون يهدف لمكافأة لصوص الأراضي –المستوطنين- ، "وإضفاء مظهر قانونيّ يشرعن النهب"، وان إقرار القانون جاء بعد أسابيع معدودة على قرار مجلس الأمن رقم 2334، ويشكل "صفعة توجّهها "إسرائيل" للمجتمع الدولي".
الموقف العربي من إقرار القانون لن يكون فيه شيء جديد ومفاجئ؛ ولن يكون أكثر قوة من موقف المنظمات اليسارية الثلاث؛ فقد درج العرب على الشجب والاستنكار؛ دون أن يصاحب ذلك مواقف عملية وحقيقية على أرض الواقع، وهو ما يشجع "نتنياهو" على المضي قدما في المصادرة والنهب.
يريد "نتنياهو" أن يقول للفلسطينيين: أنتم توجهتم لمجلس الأمن واستصدرتم قرار 2334، وأنا أقوم باجرات على الأرض، وفرض الوقائع عليها بالقوة، ولن ينفعكم المجتمع الدولي، وانتم كما ترون قوانيني اقوي من القانون الدولي؛ إلا أن ذلك لا يمنع مواصلة كشف وتعرية جرائم الاحتلال والاستيطان كونها جريمة حرب، فالقوي المتغطرس سرعان ما تزول قوته، والضعيف لا يدوم ضعفه؛ إن شمر عن سواعده وانطلق.
إن أراد الفلسطينيون الرد الحازم على إقرار قانون النهب والسلب؛ فعلي السلطة التوجه رأسا لمحكمة الجانيات الدولية، والتوجه رأسا وسريعا ومنذ الساعة؛ لترتيب البيت الفلسطيني، وطي صفحة الانقسام، والعمل ضمن برنامج وطني موحد لمواجهة الاستيطان؛ وصحيح أن ثمن ذلك سيكون كبيرا وصعبا على السلطة، ولكن ثمن الحرية والتخلص من الاحتلال كان عبر التاريخ؛ غاليا، وليس هينا، وعلى قصار النفس أن يتنحوا جانبا.