في خطوة جديدة يُدخلُ عباس الساحة السياسية الفلسطينية في متاهة مصنوعة لتحقيق أهداف في غاية الدقة، حتى نفقد الأمل ونفقد البوصلة ونفقد الهدف، حين تم تكليف الدكتور محمد اشتيه لتشكيل حكومة جديدة في مخالفة واضحة وصريحة لفلسفة التوافق بين الاطراف الفلسطينية.
وعلى الفور قال اشتية (يشرفني قبول تكليفكم لي رئيسًا لوزراء حكومتكم التي نأمل أن ننجزها بالتشاور مع كل من له علاقة من فصائل منظمة التحرير وقوى وفعاليات مجتمعية ومن ثم عرضها عليكم للإقرار والمصادقة).
لو دققنا في الفقرة السابقة سنستنتج منها أن فلسفة التفرد لازالت تعشعش في عقل عباس وأركانه، حيث اقتصار التشاور مع فصائل منظمة التحرير وقوى وفعاليات مجتمعية، وبتدقيق بسيط نجد أن هذه الفصائل والقوى والفعاليات المجتمعية المقصودة هي من تدور في فلك عباس وتسبح بحمده بكرة وعشيا، ثم إن فصائل عديدة في منظمة التحرير الفلسطينية لها وزن مثل الجبهة الشعبية والديمقراطية تعارض سياسة عباس، ولن تُشارك حتى لو عُرض عليها المشاركة، وأن كثيرًا من فصائل المنظمة لا وزن لها على الساحة ستشارك لو يُعرض عليها المشاركة، والأخطر من ذلك أن الخطاب يتجاهل حماس ذات الأغلبية في التشريعي ويتجاهل حركة الجهاد الاسلامي ذات الباع الطويل المشرف في العمل الفلسطيني بكافة فروعه، وفصائل اخرى قدمت ما لم تقدمه فصائل كثيرة في منظمة التحرير.
لو أخضعنا هذه الحكومة لمعايير الجودة الوطنية سنجد أن بينها وبين الوطنية مسافة كبيرة، من حيث:
- إن رئيس الحكومة هو لجنة مركزية لحركة فتح وهذا ينفي عنها صفة الموضوعية.
- إن رئيس الحكومة هو عضو مفاوضات مع الاحتلال ومن المؤكد أنه لن يخرج عن فلسفة الاحتلال قولًا أو فعلًا، وهنا نذكر ما قاله في محاضرة في ولاية نيوجرسي الامريكية مؤخرا حيث (التزم بالتنسيق الأمني، ولأن إسرائيل تسيطر على المياه والكهرباء وكل شيء لدينا، وبالتالي يجب المقاومة للحفاظ على وجود السلطة).
- إن رئيس الحكومة له مواقف غير طيبة مع غزة، وكلنا استمعنا لخطابه حين قال سنعيد غزة إلى حضن الشرعية.
- لن تكون الحكومة شاملة وجامعة للطيف الفلسطيني، بل ستكون حكومة الرأي الواحد.
- عدم عرض الحكومة على التشريعي يفقدها قوتها القانونية.
- لن تختلف عن سابقتها حكومة الحمد الله، فهي لن تغير مكان ربط الحمار بل ستربطه في المكان الذي يرغب به صاحبه، فتغيير الوجوه لا يغني تغيير السياسات، فكلهم تلاميذ في مدرسة الزعيم.
يبقى القول أن عباس مستمر في تهميش الرأي الفلسطيني وكأنه غير موجود، ويستمر بقيادة السفينة الفلسطينية لوحده ظنا منه أن الأجدر بتلك القيادة منفوشًا ومنفوخًا بتصفيق وتفويض أناس أفقدهم بصيرتهم بعدما دوخهم في دوامة البحث عن رغيف الخبر ولم يعد لديهم سبيل سوى التفويض على كل شيء.