أمام سياسة هدم البيوت التي يمارسها الاحتلال الصهيوني ، والتي كان آخرها هدم بيت عاصم البرغوثي في قرية كوبر، نستذكر ولا ننسى كل البيوت التي نسفتها أيادي الاحتلال المجرمة ، منذ نكبة ثمانية واربعين الى اليوم قد يكون هذا البيت هو رقم مليون ، هذا اذا حسبنا تدمير القرى والمدن التي قاموا بتطهيرها عرقيا ثم الحروب التي دمروا فيها الاف البيوت في غزة ولبنان والضفة الغربية ، فمخيم جنين مثلا قاموا بتدميره بطريقة شبه كاملة عند اجتياح الضفة عام 2000 ولا ننسى الابراج التي دمروها في غزة اثناء العدوان المتكرر عليها .
إننا نصبر ونحتسب بجدارة ، نتقن مهارة تضميد الجراح النفسية والمعنوية والمادية ، لا نلين ولا نستكين ونبطل سياسة الردع التي يستهدفونها ، لا يلتفت من اراد ان يضحي بروحه الى الدنيا وما فيها، تسقط من قلبه الاشياء ويدخل جنة السموات ، يشم رائحة الجنة ويملأ عطرها صدره فيتنفس بروحها وريحانها ما لا يبقي أثرا لحسابات الردع الاسرائيلية ، هذه الروح لا ولن يدرك حقيقتها من سيطرت عليه روح الجريمة، لن يدرك نتنياهو بحسابات الجريمة التي يتقنها جيدا هذه الروح الثائرة التي رفضت استبداده وتعلقت بحرية وكرامة شعبها المنكوب ، هو في عالم وهذه الروح في عالم آخر ، شمعون بيرس من قبله خرج على الناس بفلسفة الفقر والارهاب وقال :" ان تحسين الاوضاع المعيشية للناس وتحسين اقتصادهم من شأنه أن يضع حدا للارهاب !" وأثبتت الروح الفلسطينية الحرة فشل هذه النظرية إذ رصدوا له من أقدم على المقاومة ونال الشهادة وهو من عائلة غنية والفقر لا يشكل له دافعا للجهاد أبدا ، وانما هي روح الثورة على ظلم الاحتلال واستبداده . وعاصم ايضا خير مثال على فشل هذه السياسة إذ إنه شاب قد تزوج حديثا وفتحت له الدنيا ذراعيها وكان بامكانه ان يكتفي بما قدم من سنوات السجن الثلاثة عشرة ويعيش حياته الآمنة المطمئنة! ، ولكنه رفض حياة المذلة فأي طعم لأمن أو طمأنينة في ظلّ احتلال يُصرّ على اذلال الناس واستعبادهم والاعتداء على كل تفاصيل حياتهم ؟
إن هدم أي بيت فلسطيني يفجر في رؤوسنا المليون بيت التي فجرها الاحتلال من قبل، إنه جرح غائر لا يندمل أبدا الا بقطع هذه اليد التي تهدم ما نبني ، نتألم كثيرا وقد اتسع الخرق على الراتق ، امتدت مساحة الجريمة طولا وعرضا ، كمّا ونوعا ، هذا الاحتلال يوغل فينا دون أن يفكر بالرد القادم ، هو لا يدرك أو أن عمى حقده لا تريه عاقبة الظالمين ومصارع المجرمين . فالتاريخ يحكي لنا كثيرا عن الذين أقاموا حياتهم على حساب غيرهم وبعد أن دمروا من سبقهم وعاثوا في ديارهم الفساد ، لم تدم لهم طويلا وتحولت الحياة التي دمروها حجارة تطاردهم وتصب لعناتها على رؤوسهم ، حجارة بيت عاصم ستفعل فعلها وبعد ذلك ستعود حتما للالتئام وبناء الحياة الفلسطينية من جديد .
عاصم يطل على أطلال بيته اليوم من زنزانته ، يطلق لروحه العنان في ربوع كوبر الخضراء ، يرى ربيعها يزهر ويسمع صوت بلابلها وهي تغدو جزلة طربة ، هو الان بشق طريق التحرير ويرسم خارطة الوطن . لقد حفر خندقا متقدما وراح يرسم بحجارة بيته مستقبل المعركة .