رغم انعقاده تحت عنوان "القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين" لم يلتفت الكثير من المثقفين والسياسيين إلى انطلاق أعمال المؤتمر التاسع والعشرين لاتحاد البرلمانيين العرب، وذلك لأن القليل من البرلمانات العربية تمثل إرادة الجماهير العربية، والقليل منها عبر نسبة الحسم من خلال انتخابات برلمانية حرة نزيهة، ومن هذه البرلمانات الممثلة في لقاء عمان، برلمان دولة فلسطين، حيث غاب ممثلو المجلس التشريعي المنتخب بشكل ديمقراطي عن حضور جلسات البرلمانيين العرب، وحل محلهم من هو ليس منتخباً بشكل ديمقراطي، لتنضم فلسطين إلى بقية الدول والممالك العربية التي يتم فيها تعيين البرلمانيين من خلال التزكية، والتوصية الحزبية، ورضا الحاكم، وموافقة السلطات التنفيذية ورجال المخابرات.
لما سبق لم ينته الكثير من الإعلاميين إلى انطلاق أعمال البرلمانيين العرب في عمان إلا بعد أن ارتفعت وتيرة الخلاف حول البيان الختامي، وتحديد مفهوم التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، فما كان من البديهيات قبل زمن، صار بحاجة إلى توافق في هذا الزمن، ولاسيما بعد انعكاس المتغيرات الإقليمية على الوعي الرسمي العربي الذي بات يحتكم لمفهوم العلاقة مع إسرائيل من الزاوية المنحرفة للمصالح المشبوهة، والتي لم تعد ترى بإسرائيل العدو المركزي لشعوب الأمة العربية والإسلامية قبل أن يكون مغتصباً لأرض فلسطين.
لقد اختلف البرلمانيون العرب في بيانهم الختامي على فقرة تدعو إلى وقف التطبيع مع إسرائيل، ووقف كافة أشكال التقارب معها، هذه الفقرة لم تعجب ممثلي البرلمان المصري والسعودي والإماراتي، وطالبوا مجتمعين بشطبها، وطالبوا بأن تقتصر الدعوة إلى وقف التطبيع بين الشعوب العربية وإسرائيل، دون إلزام للحكومات العربية بذلك.
لقد حسم النقاش في هذا الأمر رئيس الاتحاد البرلماني العربي رئيس مجلس النواب الأردني، المهندس عاطف الطراونة، حين رفض مطلب السعودية والإمارات ومصر وتمسك ببند رفض التطبيع مع إسرائيل بمفهومه العربي الشامل، وأصر على بقاء البند الذي يقول: من أهم خطوات دعم الأشقاء الفلسطينيين وقف كافة أشكال التقارب والتطبيع مع المحتل الإسرائيلي؛ وعليه ندعو إلى موقف حازم وثابت، يصد كل أبواب التطبيع مع إسرائيل.
فهل ستلتزم الحكومات العربية بقرار البرلمانات العربية؟ وهل ستلتزم الحكومات المصرية والأردنية والفلسطينية، وهي الحكومات التي لها علاقات دبلوماسية وسياسية وأمنية مع الإسرائيليين؟ أم ستضرب هذه الحكومات عرض الحائط بقرار البرلمانيين العرب؟
من المفارقات التي تستوجب المتابعة في هذا الشأن؛ أن وفد السلطة الفلسطينية قد انضم إلى وفد البرلمانيين السوريين واللبنانيين في مطالبته بإبقاء بند رفض التطبيع على حاله دون تغيير، فهل يستطيع الوفد الفلسطيني أن يلزم السلطة بوقف كافة أشكال التقارب واللقاء والتطبيع مع المحتل الإسرائيلي؟ هل يستطيع أن يكون حازماً وثابتاً على موقفه كما جاء في البيان الختامي؟
الأسئلة السابقة تعود بنا إلى المجلس التشريعي الذي تم حله بقرار غير شرعي، فلو كان المجلس التشريعي المنتخب يعمل بكامل قوته وهيئته، لشرع القرار الذي يحرم كافة أشكال التطبيع واللقاء والتعاون الأمني مع المحتل الإسرائيلي، وألزم الحكومة، وكافة أجهزتها الأمنية بالقرار.