المفرق الأول الذي يتوجب أن يحتشد فيه كل الفلسطينيين على اختلاف مشاربهم يتعلق بحياة الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، الأسرى الفلسطينيون يناشدون كل الشعب الفلسطيني للالتفاف حول مطالبهم العادلة، ومناصرة قضاياهم، وهم يخوضون معارك الشرف ضد الممارسات الإسرائيلية القمعية، فحياة الأسرى أمانة في أعناق الشعب، ومن المعيب بحق شعب يناضل في سبيل حريته، ويقاتل ضد أعدائه الصهاينة، من المعيب أن ينقسم حول قضية أبنائه الأسرى، الذين حملوا أوجاع الوطن، وهم يتعرضون لهجمة منظمة ومنهجية من قبل دولة الاحتلال، التي تمارس عدوانية رهيبة تمثلت في تركيب أجهزة تشويش خطيرة ومسرطنة داخل السجن، أجهزة خبيثة تمنع التقاط موجات الراديو والتلفاز، وتسبب الصداع للأسرى.
لقد أكد الأسرى رفضهم لسياسة القتل البطيء، ورفعوا شعارهم الوطني القائل: "إن كان لا بد من الموت، فمن العار أن تموت جباناً"، وهذه رسالة تحدٍ لا سند لهم فيها، ولا ظهر إلا إرادة الأسرى الوثابة أولاً، ومساندة شعبهم لهم في معركتهم ثانياً، ولا مساندة دون تلاقي الكل الوطني على دعم الأسرى، والالتفاف من حول مطالبهم العادلة.
المفرق الثاني يتعلق بالقدس التي يطبق عليها الأعداء مؤامرتهم، وهم ينظمون الاقتحامات المتواصلة للمسجد الأقصى، وعلى كل المستويات الرسمية والدينية، مع تعمد الاعتداء المتواصل على المسلمين العاشقين لحجارة القدس، والمتعبدين بين جنبات الأقصى، فالقدس ليست مدينة عادية، ولا هي شوارع وحجارة وموقع جغرافي، القدس تاريخ عبادات، وحضارة أمة، وحاضر شعب يغيب إن غابت، ويحضر على خارطة الواقع إن حضرت بالفعل اليومي الرافض للتهويد والتشويه، وهذا ما تحقق في الأيام الماضية، حين نجح الفلسطينيون مجتمعون في فتح باب الرحمة للمصلين بعد 16 عاماً من إغلاقه، ليشكل هذا الفتح لبوابة الرحمة حافزاً للفلسطينيين لمواصلة مشوار التصدي جماعة، والوقوف في وجه تهويد القدس صفاً واحداً، والسجود فوق صخورها كتفاً بكتف، وعطاء خالصاً لوجه الله والوطن.
المفرق الثالث يتعلق بصفقة القرن، وما طرحه جارود كوشنير عن تطبيق الحلول الواقعية، وذلك يعني تجاهل القدس، وبقاء المستوطنات، وتبادل أراضي يهدف إلى تصفية قضية اللاجئين ضمن الحل الإقليمي، الذي سيسمح لإسرائيل بالاندماج في المنطقة.
صفقة القرن هذه لا تواجه بالشعارات، ولا بالنداءات ولا بالشجب والاستنكار وتصريحات الرفض والترقب والانتظار، صفقة القرن تستوجب تظافر كل الفلسطينيين، ومن خلفهم كل الشعوب العربية والمسلمين، وهذا لا يتحقق دون توافق الكل الفلسطيني على برنامج عمل وطني، يربك المشهد الآمن، ويخربش صفحات صفقة القرن، توافق بين إرادة غزة الشامخة، وحضور الضفة الراسخ، توافق بين حماس وفتح والجهاد والشعبية وكل القوى والتنظيمات السياسية، على برنامج عمل إلزامي، لا يتضمن العقوبات، ولا يعتمد التجاهل، برنامج عمل يستنهض كل الطاقات والقدرات، ويرسل رسائله الوحدوية إلى كل المتآمرين على قضية فلسطين، ودون ذلك، فكل مدعٍ بأنه سيواجه صفقة القرن منفرداً فقد ضلّ، وكل مدعٍ بأنه قادر لوحده، وبمنطقه السياسي على تعديل أو تغيير مسار صفقة القرن فإنه واهمٌ، صفقة القرن تتكسر على صخرة الوحدة الوطنية، وما دون ذلك فإنها نافذة كالسهم المسموم من خلال تصدع صخرة الوحدة وتشققها وتفتتها.
ملاحظة: جن جنون الإسرائيليين من الصورة التي نشرها مكتب نتنياهو، ويظهر فيها رئيس الأركان السابق بني غانتس، ومن خلفه مقبرة لعشرات الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا في الحرب الأخيرة على غزة، الحرب التي قادها بني غانتس نفسه، وخرج جيشهم منها مهزوماً مدحوراً.