"أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أتعجب"؛ هذا مثلٌ شعبي مصري يُطلق على من يتناقض قوله مع فعله، ربما لو كان قائله حيا في هذا الزمان لأطلقه على رئيس السلطة محمود عباس (84 عاما).
سلسلة "وعود" للشعب الفلسطيني على لسان عباس، الذي انتهت ولايته القانونية في 2009 لكنه باقٍ في منصبه، منها ما جاء في مقطع فيديو انتشر كالنار في الهشيم، قال فيه: "أول مظاهرة تخرج ضدي لن أسمح لها أن تستمر سأخرج قبل أن تبدأ، نحن مع ما يريده الشعب، لأفترض جدلا أن للشعب مواقف عكس مواقفي سأخرج من السلطة، لن أبقى فيها يوما واحدا".
"ارحل ارحل يا عباس"؛ هكذا جاء الرد أول من أمس، من آلاف المواطنين وسط مدينة غزة، لكن مرت قرابة 48 ساعة على المظاهرة، ولم يأتِ قرار عباس بالاستقالة بعد، كما وعد.
ويقول المحلل السياسي عمر عساف: "هناك فرق بين القول والفعل، والكلام الذي جاء في مقطع الفيديو المذكور يختلف عن السلوك على الأرض، ومن المعروف أن عباس تجاوز فترة حكمه المفترضة بأكثر من 10 سنوات".
ويطالب عساف في حديث مع صحيفة "فلسطين"، عباس بأن يرد "الأمانة على الأقل وأن يجدد شرعيته"، على اعتبار أن ذلك حق للمواطنين في الانتخاب.
لكنه يعتقد أنه لا توجّه لدى عباس للتنحي "إلا عبر الحل الرباني"؛ على حد تعبيره، قاصدا أن الرجل الثمانيني يعتزم البقاء في منصبه حتى وفاته.
وينبه عساف إلى حق المواطنين في المطالبة بما يريدون ومن ذلك الانتخاب، مبينا أنه لا يجوز لعباس الدعوة لانتخابات تشريعية بعيدا عن المجلس الوطني وانتخابات رئاسة السلطة.
وجاءت المظاهرة الحاشدة المطالبة برحيل عباس عن قيادة السلطة في ظل سلسلة إجراءات توصف شعبيا بالعقابية والانتقامية، منها الخصم من رواتب موظفي السلطة في القطاع دون الضفة الغربية، وأيضًا من رواتب أسرى، وقطع رواتب آخرين، عدا عن إحالة آلاف الموظفين الغزيين للتقاعد القسري.
ويقول مراقبون: إن تلك الإجراءات قيدت التحويلات العلاجية، ومست الأدوية والمستلزمات الطبية، وطالت قطاع الكهرباء.
خطاب يناقض الواقع
وعلى ذكر الرواتب، يقول الأسير المحرر الناطق باسم المحررين المقطوعة رواتبهم حمادة الديراوي: عباس يتحدث بما يناقض الواقع على الأرض.
ولطالما أطلق عباس في الإعلام كلاما يتعهد فيه بالاستمرار بدفع الرواتب لعائلات الشهداء والأسرى والجرحى، لا سميا بعد قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي اقتطاع قرابة نصف مليار شيقل من أموال المقاصة التي تجبيها نيابة عن السلطة في صورة ضرائب.
لكن السلطة قطعت الشهر الجاري، رواتب نحو خمسة آلاف موظف إضافة إلى رواتب ما يقارب 1700 من الأسرى والمحررين والإعانات الشهرية لأهالي وأسر الشهداء في قطاع غزة، بحسب مصادر مطلعة.
وتحدث الديراوي لصحيفة "فلسطين" عن 119 أسيرا منهم الأسير حسن سلامة، و314 محررا مقطوعة رواتبهم تماما، إلى جانب آخرين مخصوم من رواتبهم بنسبة 50%.
ووصف الديراوي رئيس السلطة بأنه "كاذب" –على حد تعبيره- مشيرا إلى أنه "لا يمكن لفلسطيني أن يقطع رواتب الفلسطينيين".
وتحدى أي مسؤول في السلطة الفلسطينية أن يقابله في أي برنامج في أي فضائية عالمية ليقدم مبررات لقطع الرواتب عن الأسرى والجرحى وذوي الشهداء.
وقال الديراوي: إن عباس يحارب أبناء شعبه وقوت أطفالهم، مطالبا برحيله و"محاكمته ضمن المحاكمات الثورية"؛ وفق وصفه.
وأضاف أن ادعاء عباس دفع رواتب الأسرى وذوي الشهداء "استخفاف بعقول الناس".
وأكد أن الشهداء والجرحى والأسر "خط أحمر" لا يجوز المساس به، وأن يفعل ذلك يجب أن يتنحى.
وتطرق الديراوي إلى تناقض آخر في سلوك عباس، قائلا: إن الأخير لا يؤمن سوى بالتسوية والمفاوضات مع الاحتلال، رغم إقراره بفشل حصول أي تقدم لمصلحة الشعب الفلسطيني منذ توقيع اتفاق أوسلو سنة 1993.