أجرت حركة ضباط من أجل أمن (إسرائيل) استطلاعاً للرأي جاء فيه أن 24% فقط من الإسرائيليين يؤيدون ضم منطقة ج من الضفة الغربية إلى (إسرائيل)، والأغلبية ترفض الضم من منطلق عدم إعطاء الجنسية لنصف مليون فلسطيني، كما اقترحت ذلك الوزيرة أيليت شاكيد، وفي تقديري فإن هذا أمر يثير الغرابة، ولا سيما أن دعاية الأحزاب الدينية كلها تقوم على ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية إن لم يكن كلها.
ضباط من أجل أمن (إسرائيل) استثمروا نتائج هذا الاستطلاع للترويج لفكرتهم، فقالوا إنه بعد انكشاف أساليب عمل اليمين المتطرف، الذي يجهز الأرضية لضم ملايين الفلسطينيين، فإن الحركة مصممة على مبادرة واسعة النطاق لوقف خطة الضم، ما دامت المعطيات تشير إلى أن غالبية الجمهور تعارض بحزم عملية الضم، وتدعم خطط الانفصال عن الفلسطينيين.
تجدر الإشارة إلى أن حركة "ضباط من أجل أمن إسرائيل" هي حركة إسرائيلية تأسست في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2014 من مسؤولين كبار متقاعدين في الأجهزة الأمنية، الجيش والشاباك والموساد والشرطة، بمبادرة جنرال الاحتياط أمنون ريشيف، وتدعو إلى تبني مبادرة السلام العربية كأساس للمفاوضات السياسية مع الفلسطينيين.
وهنا يجب الانتباه إلى ملاحظتين:
الأولى: حركة "ضباط من أجل أمن إسرائيل" تأسست بعد عدوان 2014 على غزة، ولهذا التوقيت دلالات كبيرة، تتعلق بنتائج العدوان الذي لم يحقق أهدافه، وخرج منه الجيش الإسرائيلي خائباً.
الثانية: أن الذي اتخذ قرار عدم التصعيد مع غزة في الفترة الأخيرة هم قادة الأجهزة الأمنية الحاليون، وهم من ألزم المستوى السياسي بأن ينبذ مزايداته ويوافق على التهدئة.
ومع التدقيق في استطلاع الرأي المذكور يمكن استنتاج أن المجتمع الإسرائيلي لا يجمع على أي حل للقضية الفلسطينية، فالضم لأراضي الضفة الغربية ليس حلاً بالنسبة لغالبية الإسرائيليين، و"الترانسفير" ترحيل الفلسطينيين وتهجيرهم من أوطانهم ليس حلاً، واستمرار السيطرة على الشعب الفلسطيني ليس حلاً، وكذلك فإن ترك البلاد للعباد يتنفسون حريتهم بعيداً عن المحتل الإسرائيلي ليس حلاً من وجهة نظر البعض، وقد تبين لهم أيضاً أن حل الدولتين لم يعد قائماً، وأن حل الدولة الواحدة ثنائية القومية مرفوض، ويتعارض مع قانون القومية.
لما سبق، فإن الحل للقضية الفلسطينية من وجهة نظر الإسرائيليين يكمن في رؤيتين:
الأولى ترى أن لا داعي للتفتيش عن حلول للقضية الفلسطينية، فالإسرائيليون ليسوا في عجلة من أمرهم، ويسعون إلى تذويب القضية الفلسطينية على نار هادئة، معتمدين على الزمن الطويل، طالما ظل الوضع مستقراً ومزدهراً، وظل الفلسطيني يعمل في المصانع والشركات الإسرائيلية، وظلت السيطرة الأمنية هي الطاغية على المشهد.
الثانية ترى أن هذه الحالة من الهدوء الظاهر ليست حلاً، فخلف هذا الهدوء بركان يتفجر، وخلف هذا الترقب تطور ديمغرافي فلسطيني سيؤثر على الوجود الإسرائيلي نفسه، وعلى الإسرائيلي أن يخاف على مستقبله من الاحتلال أكثر من الفلسطيني الذي تعايش مع الاحتلال.
انعدام الحل للقضية الفلسطينية حتى يومنا هذا لا يعني التخبط الإسرائيلي وجهل المستقبل، انعدام الحل يعني أن يبقى الأمر على ما هو عليه حتى نضوج ثمرة التصفية على نار الزمن.
درس من التاريخ: حين طالب بن جوريون أول رئيس وزراء لـ(إسرائيل) بتوقيع اتفاقية سلام مع العرب، قال له أبا إيبان أول وزير خارجية إسرائيلي: لا تستعجل توقيع اتفاقيات السلام مع العرب، علينا الاكتفاء بهدنة في هذه المرحلة، هدنة تسمح لنا بالتوسع متى نشاء!!!