تستعر نارهم في القدس، يشتد أوارها بين الحين والآخر، واليوم يصبون نارهم على باب الرحمة، حتى هذا الاسم الذي لا يدل إلا على الأمن والسلام والرحمة للعالمين يغيظهم ويصبون جام غطرستهم عليه، بالفعل كلمة الرحمة تصعقهم، تقض مضاجعهم، يستجمعون كل ما لديهم من جبروت وطغيان من أمريكا وعنجهية ترامب، مرورا بكل حشود أبواقهم الإعلامية الصاخبة غربا وشرقا، وأموالهم الطاغية وكل أساليبهم الماكرة، كل ذلك يأتي متبجحا على باب الرحمة في الركن الشمالي الشرقي للمسجد الأقصى، أيحتمل هذا المكان المقدس كل هذا الشر، هكذا يُرمى دفعة واحدة؟
والسؤال وأمام كل هذه الحشود: ماذا حشدنا نحن؟ من هو صاحب الحق في الرحمة؟ من هو أهل لهذه الرحمة الموصولة بالمسجد الأقصى؟ هذا المستهدف منهم، ماذا تراه يفعل؟ لمن القدس اليوم؟ لسكان القدس الحاليين أم لمن طردوا منها وأصبحوا خارج حدودها؟ هل هي للفلسطينيين؟ أم هي للعرب؟ أم للأمتين العربية والإسلامية ؟ هل هي للحكام أم للشعوب؟ من السهل الادعاء ولكن إثبات هذا الادعاء يحتاج إلى دليل.. يحتاج إلى إثبات عملي.. السؤال التابع لهذا السؤال هو الذي يشكل دليلا قاطعا: ماذا فعل للقدس كل من ادعى أن القدس له؟
لو سألنا الصهاينة: ألكم القدس؟ ثم سألناهم: ما علامة ذلك؟ ماذا فعلتم لها؟ لكان الجواب السريع الواضح: "القدس تعني لنا التزاما ماديا واجراء عمليا في حشد كل الامكانات المتاحة لتكون القدس عاصمتنا الابدية والسير قدما دون أي تباطؤ لجعل ما نريد حقائق على الأرض".
عندما سئل رسول الله سؤالا غير عملي: متى الساعة؟ فكان الجواب العملي: ماذا أعددت لها؟ ونحن الآن في أشد الحاجة لهذا السؤال العملي: ماذا فعلنا للقدس؟ كل من يدعي أن القدس له وأنه ينتسب لها وتنتسب له ها هو باب الرحمة يدق جدران قلوبنا. ما هو موقفنا العملي تجاه القدس؟
إلى هؤلاء الحكام المترفين والمهرولين في التطبيع مع من يمارس غطرسته على القدس كيف لا تخجلون من القدس؟ كيف توارون وجوهكم منها؟ كيف تستمعون إلى نشرات الأخبار وترون ما يفعل من توالوهم وتَتَطبَّعون على مزاجهم السياسي، ثم يكون موقفكم لا شيء للقدس، حتى أن عبارات الشجب والاستنكار التي دأبتم عليها تمنعون عنها اليوم؟ اليوم القدس تكشفكم وتكشف خباياكم، أنتم أقرب اليهم منا، أنتم تتماهون عمليا مع أهداف وسياسات الاحتلال، فلا أنتم من القدس ولا القدس منكم، لا يصدقكم اليوم أصغر طفل ولم يبق من تستغفلونه وتضحكون على ذقنه، فمن قبل لنفسه أن يكون مستحمرا لعدو الأمة لن تصدقه شعوبها. بات أمركم مكشوفا فلن تنفعوا القدس مثقال ذرة.
وإلى النخب المثقفة والمؤثرة في شعوبها رسالة مختلفة، لنتعلم الدرس من عدونا، لو بقوا على الأشعار وبلاغة اللغة لما وجدوا رائحة القدس، ولكنهم أرسوا قواعد وشقوا طريقا تصل بهم وبشعبهم إلى القدس، ساهموا في ثقافة متماسكة تبني الانسان القوي وتبني المؤسسة القوية والجيش القوي وزرعوا الروح القادرة على تحقيق الانتصار، ساروا بشعبهم إلى حيث تطأ أقدامهم القدس. هذه حقيقة يجب أن نعترف بها، نخبنا ومثقفونا إلا قليل منهم مشغولون بهموم صغيرة لم ترتقِ إلى مستوى القدس، أين القدس في الثقافة العربية؟ وكم تحتل من هذه الثقافة؟ وما مدى قدرتها على مواجهة ثقافة الفعل والحقائق على الأرض؟؟
نحتاج إلى تكاتف الجهود وإلى أن تعود القدس بالفعل عاصمة الثقافة العربية وعاصمة الوجدان العربي والاسلامي قولا موصولا بالفعل، وكي تنغرس في حياتنا لتصل بنا إلى النصرة العملية للقدس.