منذ تنفيذ العملية الفدائية الفلسطينية الأولى يوم الأول من أكتوبر 2015، قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، أعلن الفلسطينيون اندلاع "انتفاضة القدس"، وبدأ الفلسطينيون ينفذون عمليات الطعن والدهس وإطلاق النار ضد الجنود والمستوطنين في الضفة الغربية والقدس وإسرائيل، وباتت الأرقام والمعطيات الإحصائية تشير إلى أننا بصدد موجة تتصاعد وتتراجع من الهجمات، لكنها مستمرة على كل الأحوال، رغم الجهود الإسرائيلية لإحباطها دون جدوى، حتى الشهور الخمسة الأولى مع أوائل فبراير الماضي 2016.
لم يعد هناك كثير شك بأن موجة العمليات الفلسطينية ضد الإسرائيليين، أو "انتفاضة القدس"، باتت تواجه تعثرا حقيقيا منذ أوائل فبراير الماضي، ويمكن الحديث عن حالة من التراجع الملموس والتدريجي لهذه العمليات للشهر الثالث على التوالي، حيث نعيش النصف الثاني من أبريل الحالي، وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات والتفسيرات لهذا التراجع، الذاتية والموضوعية.
وأظهرت إحصاءات الجيش الإسرائيلي أنه بعد مرور نصف عام على اندلاع الانتفاضة في الضفة الغربية والقدس، وتحديدا بين أوائل أكتوبر 2015 ونهاية مارس 2016، بلغت الهجمات الفلسطينية 168 هجمة في الضفة الغربية، ضد الجنود والمستوطنين، إضافة إلى 39 عملية في القدس وداخل الخط الأخضر، ومن بين هذه العمليات هناك 54 عملية إطلاق نار، بينها 16 استهدفت مستوطنين، و84 عملية طعن بالسكاكين منها 64 ضد الجنود، و30 عملية دعس بالسيارات، 25 منها ضد الجنود والباقي ضد المستوطنين.
وشهد شهر أكتوبر، العدد الأكبر من الهجمات الفلسطينية خلال هذه الهبة بعدد 44 هجمة، ومنذ ذلك الشهر بدأ الانخفاض التدريجي في عدد العمليات، فشهد نوفمبر 35 عملية، أما ديسمبر فقد شهد 36 عملية، وتواصل التراجع في عدد العمليات حتى وصل في مارس إلى 10 عمليات فقط.
وحسب إحصائية الجيش، فإن غالبية العمليات بعدد 127 من أصل 168 عملية نفذت ضد الجنود المنتشرين في المناطق الفلسطينية، و83% من عمليات الدعس بالسيارات و76% من هجمات الطعن بالسكاكين توجهت ضد الجنود، في حين أن 39 من العمليات التي وقعت في القدس نفذها فلسطينيون من سكان القرى المنتشرة في الضفة، بالتزامن مع التراجع في عمليات إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على قوات الجيش، حيث شهد أكتوبر 530 عملية إلقاء حجارة و442 زجاجة حارقة، فيما شهد مارس المنصرم 185 عملية إلقاء حجارة وزجاجة حارقة فقط، ومنذ بداية 2016 وقعت 664 عملية إلقاء حجارة، و484 مظاهرة فلسطينية، 79 عملية إلقاء زجاجة حارقة، و48 عملية مسلحة.
ويبدو شهرا مارس الماضي، والنصف الأول من أبريل الجاري، الأكثر هدوءًا في موجة العمليات التي اندلعت قبل ستة أشهر، حيث شهدت الـ45 يوماً تنفيذ 5 عمليات إطلاق نار في الضفة والقدس، و8 عمليات طعن وعمليتي دعس، مقابل 7 عمليات إطلاق نار، و14 عملية طعن، وعملية دعس واحدة شهدها فبراير.
هذه المعطيات الرقمية تعطي مؤشرا جديرا بالدراسة أن الانتفاضة الحالية وموجة عملياتها ربما تكون في طريق نهايتها، لاسيما وأنه يترافق مع تراجع في عدد القتلى الإسرائيليين، فمن بين 33 قتيلا إسرائيليا، قتلوا منذ أكتوبر الماضي، هناك قتيل واحد فقط سقط منذ أوائل مارس الماضي بمدينة يافا خلال عملية طعن!
ومنذ اندلاع موجة العمليات الفلسطينية في أكتوبر 2015 وحتى أبريل 2016، كشف جهاز الأمن الإسرائيلي العام الشاباك عن 57 مجموعة مسلحة في الضفة الغربية، 10 منها خطط أفرادها لتنفيذ عمليات اختطاف مستوطنين أو جنودا إسرائيليين، وفي 4 منها كشف النقاب عن مختبرات لصناعة المتفجرات كانت تجهز أحزمة ناسفة، وأعلن الناطق العسكري الإسرائيلي أوائل أبريل عن تراجع جوهري في الهجمات الفلسطينية.
وقد دأب المسئولون الأمنيون والعسكريون الإسرائيليون على الإشادة بجهود التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، ودورها في وضع حد لتدهور الوضع الأمني في الضفة الغربية، واستمرار استهداف الجنود والمستوطنين، حتى بلغ عدد اللقاءات الأمنية بين الجانبين 140 لقاء منذ العام الماضي 2015، وحتى كتابة هذه السطور، حيث تجري الاجتماعات بين ضباط فلسطينيين وإسرائيليين بصورة اعتيادية.
هذه اللقاءات الأمنية الـ140، يمكن تقسيمها إلى 80 لقاء أمنيا بين الجانبين على مستوى قادة ألوية، و60 لقاء أمنيا لمناقشة قضايا تفصيلية ميدانية، عقدها الجانبان منذ اندلاع الانتفاضة أوائل أكتوبر 2015، كما أن جزءا أساسيا من إحباط الأجهزة الأمنية الفلسطينية للعمليات المسلحة كان بفضل معلومات استخبارية أوصلها الشاباك إلى السلطة الفلسطينية.
أخيراً.. رغم أن تقدير الموقف الأمني الإسرائيلي للوضع مع الفلسطينيين، يشير إلى وجود نجاحات ملموسة بتخفيض حجم العمليات، لكن هناك استمرار في الإنذارات للعمليات الفردية، وإسرائيل قد تستعد لإمكانية اندلاع موجة جديدة من الهجمات، مما يجعلها لا تسارع بالإعلان عن نهاية موجة العمليات الحالية، رغم توفر مؤشرات ميدانية تجعل هذه الانتفاضة خلف ظهورنا، وفي ذات الوقت هناك مؤشرات أخرى قد تعطي الإسرائيليين نتائج معاكسة، وهي أخبار لن تكون سارة لهم.