لقد بدأ الاحتلال الإسرائيلي التطبيق على أرض الواقع لنتائج مؤتمر وارسو الذي عقد في العاصمة البولندية تحت مزاعم تتعلق بمواجهة الخطر الإيراني على المنطقة العربية، وهو في حقيقة الأمر جاء للتأكيد من خلاله على علاقات ممتازة وولاء غير مسبوق من الأنظمة العربية لأمريكا و الاحتلال الإسرائيلي وضمان بحماية الاحتلال وإفراغ القضية الفلسطينية من عمقها العربي، والاصطفاف ضد الحق الفلسطيني في المقاومة وإعطاء الضوء الأخضر لسياسة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني ومقدساته وأراضيه ومؤسساته.
فأخذت الأحداث على الساحة الفلسطينية تتسارع وتيرتها فيخرج ترامب بقرار دعم الاحتلال ب200 مليون دولار وهو المبلغ نفسه الذي أقره نتنياهو لزيادة الاستيطان في القدس والضفة المحتلة، ثم يأتي قرار المجلس الوزاري المصغر خصم مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء الفلسطينيين من أموال عائدات الضرائب التي تجبيها حكومة الاحتلال للسلطة الفلسطينية، وتبلغ هذه المخصصات أكثر من نصف مليار شيكل سنويًا، مما قد يؤثر على سير العمل في مؤسسات السلطة التي سرب من طرفها أنها قد تعجز عن صرف رواتب الموظفين خلال الأشهر القادمة ولم نسمع أي تعليق عربي أو دولي على ما سبق، وهذا دليل واضح على أن السلطة بالنسبة لأمريكا والاحتلال قد أنهت الدور المطلوب منها وأصبحت غير ذات أهمية أو تأثير في المشهد السياسي الفلسطيني الحالي والمستقبلي وبدا هذا واضحا أيضا في عدم تمثيل السلطة في مؤتمر وارسو وبذلك أصبحت السلطة في الضفة المحتلة في موقف لا تحسد عليه وقد تكون مجبورة خلال الفترة القادمة للتوجه نحو فصائل العمل الوطني في غزة لإتمام عملية المصالحة إلا إذا منعتهم من ذلك العزة بالإثم.
وفي الإطار تشهد مدينة القدس هجمة شرسة من قبل الاحتلال، حيث تم نصب الحواجز الحديدية على الطرقات المؤدية لأبواب المسجد الأقصى، وخاصة بمنطقة "باب الرحمة" داخل ساحات الحرم وحولتها لثكنة عسكرية، ووفرت الحراسة والحماية للمستوطنين خلال اقتحاماتهم للمسجد ودهمهم للمنطقة، وبعد اتصالات مكثفة جرت خلال اليومين الماضيين من قبل الملك الأردني عبد الله الثاني بصفته موكلا بالوصاية على المناطق المقدسة كنا ننتظر فتح غير مشروط لباب الرحمة المغلق منذ 2003م, إلا أن هذه الاتصالات أسفرت عن استمرار إغلاق باب الرحمة ولكن بمفتاح أردني هذه المرة أي أن الدور العربي أصبح بعد وارسو استكمالا للنهج الإسرائيلي، وأصبحت الأنظمة العربية شريكا رئيسا في تطبيق بنود صفقة القرن بسلخ مدينة القدس عن امتدادها الفلسطيني، وتهيأت الأجواء لإعلانها عاصمة أبدية للاحتلال كما أعلن ترامب أمام الكونجرس الأمريكي خلال عام 2018.
علينا الآن بعد الإيمان المطلق بأن الله سبحانه وتعالى مع الذين ظلموا وشردوا وعذبوا، علينا الإيمان بعدالة قضيتنا، وأن التعويل الحقيقي للخروج من هذه الأزمات هو من أنفسنا "ما حك جلدك غير ظفرك"، الآن على المرابطين والمرابطات في القدس الخروج لوقف هذه الهجمة والتمترس والرباط داخل وخارج باحات المسجد الأقصى كما أفشلوا البوابات الإلكترونية، وعلى السلطة أن تعود إلى رشدها وأن تعدل من منهجها تجاه القضايا الوطنية وتسعى لرأب الصدع من خلال رفع الشروط التعجيزية عن المصالحة ورفع العقوبات عن غزة، وعلى المقاومة الفلسطينية تصعيد عملياتها في الضفة المحتلة وقطاع غزة، حتى لو أدى إلى مواجهة شاملة لأن هذا ما سيسعى له الاحتلال خلال الفترة القادمة، فإن كانت حرب لا محالة فالأفضل أن نكون أصحاب الضربة الأولى خاصة في ظل إطباق الحصار وعدم وجود أفق للأزمات المتتالية، ولن نكون الخاسرين وحدنا ولا المعذبين وحدنا والمقاومة قادرة على ذلك بوقوف شعبها من خلفها غير آبهين إلا لهدف واحد هو إفشال الخطة الأمريكية الإسرائيلية التي تستهدف حقوقنا الوطنية والتاريخية.