فلسطين أون لاين

عندما افترس السرطان المعلم ميسرة أبو حمدية في سجون الاحتلال

...
صورة أرشيفية
الخليل-غزة/ طلال النبيه:

طفلًا مبدعًا وشابًّا يافعًا، ترعرع ميسرة أبو حمدية في ضواحي مدينة الخليل، اتسم بالذكاء والإلهام، وكان شاهدًا على جرائم الاحتلال منذ ميلاده بعيد النكبة الفلسطينية سنة 1948م، لتكبر في روحه فكرة مقاومة الاحتلال الذي شرد أهله وأجداده.

وكان أول أسر لـ"المهندس المعلم" أبو حمدية سنة 1968م، بعد إنهائه الثانوية العامة، ليقضي حكمًا إداريًّا بالسجن 10 شهور، مع فرض غرامات مالية باهظة، بسبب نشاطه الطلابي المناهض للاحتلال وسياساته العنصرية وانضمامه إلى اتحاد طلبة فلسطين، ليكمل مسيرته التعليمية بعد حريته الأولى.

مطلع السبعينيات بدأ أبو حمدية مرحلة جديدة في حياته، انطلقت بدراسة هندسة الإلكترونيات في القاهرة، ليطوع تلك الدراسة لمصلحة أهله في مدينة الخليل ووطنه، بعد عودته من القاهرة، وفق ما توضحه شقيقته اعتدال أبو حمدية.

وتقول شقيقته في حديث إلى صحيفة "فلسطين": "بعد دراسة الدبلوم عمل شقيقي ميسرة في صيانة وإصلاح التلفازات، وأبراج الإرسال، وأسر بين عامي 1975م و1978م عدة مرات إداريًّا، ليقطع عليه ذلك تحقيق حلمه في دراسة الحقوق بلبنان".

وخلال تلك السنوات تنقل بين الكويت وسوريا ولبنان والأردن، ليأسره الاحتلال عند عودته للضفة الغربية، ويحكم عليه إداريًّا بالسجن شهورًا طويلة.

وتشير أبو حمدية إلى أن الاحتلال الإسرائيلي أبعد شقيقها إلى الأردن بعد الإفراج الأخير عنه عام 1978م، قائلة: "استقر في الأردن، وعلمنا أنه يعمل في صيانة التلفازات هناك".

وتصف أبو حمدية شقيقها الشهيد بأنه "محب للوحدة والعمل مع كل الفصائل الفلسطينية"، مشيرة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي ادعى أن ميسرة عمل مع الشهيد القسامي محمود أبو الهنود.

عودة للوطن

واتسم شهيدنا الأسير -وفق قول شقيقته- بأنه كاتم لأسرار عمله، ويعمل بجد وصمت دون أن يلفت انتباه أحد من أهله، وتوضح أن الاحتلال الإسرائيلي رفض عودته إلى الضفة الغربية سنة 1994م، بعد إبرام اتفاق "أوسلو".

وتقول: "عام 1998م تفاجأنا في البيت بدخول شقيقي ميسرة دون علمنا"، مشيرة إلى عمله في السلطة الفلسطينية بدائرة التوجيه السياسي، وجهاز الأمن الوقائي حتى يوم اعتقاله سنة 2002م.

وتشير إلى أن محاكم الاحتلال قضت عليه حكمًا بالسجن 25 سنة، وارتفع إلى المؤبد.

وفي اعتقاله الأخير، الذي خرج منه شهيدًا، بعد معاناة مع مرض السرطان، دون اهتمام من الاحتلال الإسرائيلي، أو تقديم أي علاج له، كان أبو حمدية الأب الحنون، والمعلم المهندس، لرفاق دربه من الأسرى في سجون الاحتلال، خاصة الشباب منهم.

وكان من أبرز اهتمامات الشهيد أبو حمدية القراءة والكتابة الأدبية والسياسية، إذ نشرت له عدة مقالات متنوعة في صحف عربية وفلسطينية، أبرزها "أدب الأطفال عند اليهود"، الذي تحدث فيه عن كيفية زرع العنصرية والكراهية في نفوس الأطفال اليهود، وتحريضهم على قتل الفلسطينيين وكره العرب.

وتوضح شقيقته أنه كان في أسره معلمًا للأسرى الشباب والأطفال الذين التقاهم في عدد من السجون، وكان يركز على مادة القضية الفلسطينية وتاريخها.

ومع استمراره في عملية التدريس اكتشف الشهيد أبو حمدية ضعفًا وبحة في صوته، لتتدهور حالته الصحية، دون تقديم الاحتلال أي رعاية طبية له، ليزداد تدهور حالته الصحية ويرتقي شهيدًا في الثاني من نيسان (أبريل) 2013م، في مستشفى "سوروكا"، الذي نقل إليه بعد تدهور حالته الصحية وتفشي سرطان الحنجرة.

وعن دور السلطة الفلسطينية في متابعة قضية شقيقها الشهيد في الأسر، تقول أبو حمدية لصحيفة "فلسطين": "إن السلطة ومسؤوليها قصروا كثيرًا بحق شقيقي"، مشيرة إلى أنهم "لم يسألوا عنه مع أنه لواء في جهاز الأمن الوقائي، ولم يوفروا له محامي دفاع".

وتكمل: "تألمنا كثيرًا لرحيل شقيقي ميسرة، لكن زاد ألمنا تقصير السلطة الذي كان له تأثير على حياة أخي، إذ تمادى الاحتلال في إهمال تقديم العلاج له"، موضحة أنهم استدانوا تكاليف عمل المحامي للدفاع عن شقيقها، بعد تنصل السلطة من واجباتها تجاهه.