فلسطين أون لاين

​سذاجةُ الرجالِ العاطفية


دعونا نتّفق ابتداءً أنّ الأنثى مفطورةٌ خلقةً ومأمورةٌ شرعًا أن يكون لها في الزواج رجلٌ على ذمّتها، في حين "تتّسع الذمّة" عند الرجل حتى يصل إلى أربعٍ منهنّ في الوقت الواحد، وهذا يعني أنه بالضرورة العاطفية أنّ إمكان الوفاء ورقي الحب هو عند الأنثى أكثر، وهذا الذي يفسّر احترامها الشديد له –حتى إن عدّد بعد استقرار نفسيتها بمدّة- ووقوفها معها حتى آخر لحظات حياتها، أما لو مرضت مرضة أو داهمتها الشيخوخة والتغيرات الجسدية فربما ما استطاع أن يفعل صنيعها العظيم هذا؛ لأن وجود هذه الإتاحة النفسية الشرعية عنده تجعله إذا لم يضرب الوفاء –وهذا ممكنٌ جدًّا- يبحث له عن أخرى، ربما بدعوى مساعدته ومساعدة زوجِه الأولى، وربّما لأمور شرعية أخرى لا نقاشَ فيها، لا سيما مع وجود القدرة والإمكانية والباءة المتنوعة المناحي.

لكن ما أريد تسليط الضوء الشديد عليه هنا هو أنّ هذه المساحة المتبقية للرجل في الزواج بعد الأول التي هي ثلاثة أرباع قلبه، يخطئ كثيرٌ من الرجال بل الأكثر في استخدامها؛ إذ وهمٌ وعبثٌ ألّا تظفر زوجُه الحالية منه بقلبه كلِّه واحترامِه جميعِه وحبِّه طلعِه وثمرِه وجناه، وهي التي لولا وجودُها في حياته لما كان منظّمًا ولا مرتاحًا، ولغزته الفوضى والحيرة، لأنّ الرجال ناقصو عاطفة واهتمام، لا يكتملون إلا بالزواج بالحلال، وهذا يعني أنه لا يجوز أن يصدّر 10 كيلوغرامات من حبّه لفلانة، وعشرة سنتميترات من دلاله وغرامه لعلّانة، ولا أن تكون له علاقاتُه الخفيّة، وتواصلاته "المستخبيّة"، ورسائلُه التي يخشى كشفها أو قراءتها من أحدٍ غيرِه، وليس زوجَه أو كما يسميها "المخابرات"؛ لأنه لا وجود للمخابرات إلا مع كثرة احتمالات الغشّ العلاقاتي والتكدّر مع الزوجة والبنين والتوسع مع الأخريات والآخرين، هذا أولًا.

أما ثانيًا:

فمن سذاجة كثيرٍ من الرجال أنهم ضعافٌ في "الإعلام" في حين تعزفُ الإناث على الإعلام أجمل ما يكون الإيقاع وأبهى ما يطرب الأسماع؛ ذلك أنّ الرجل مع الأنثى تحدث له حالات متغيّرة في فهم الجوّ الإعلامي هنا؛ إذ يشاكسه الاستقبال فربما فهم بسمةَ أنثى أو احترامَها وتقديرَها أو إعجابَها ومدحَها ونحو ذلك على أنه رسالة محبّة وغرام، ينسج عليها الأحلام ويبني من مرسِلها الأوهام، فيقع بعد ذلك في خلل الإرسال؛ إذ ربّما عرّض لها حينًا، وصرّح أخرى، وراسل، وأبدى إعجابًا، وسقط منه في لحن القول ما يسقط، وربما زاد؛ فعرفه الكثيرون عند اجتماعهما في لحن النظر، وتسيطر على باله أفكار لا تشي إلا بسذاجته العاطفية وسطحيته العقلية وقلة تركيزه.

ثالثًا:

أنا هنا لست أتحدث عن الحبّ الذي لا يملكه صاحبُه، سواء ذكرًا كان أم أنثى؛ بل عن "الانفلات العاطفي" الذي يدعو بعض الرجال ليتوهّم أنّ كل رسالة "أيًّا كان شكلها ولونها" إذا استقبلها من أنثى فإنما تعني منه وجوب بناء علاقة معها بالحرام أو الحلال؛ إذ إنّ توسّعه في هذا لن يجعل عنده كفاية بالخانات الأربع المتاحة له، ولو كان لابن آدم واديان من خير لابتغى ثالثًا، ولا يملأ عين ابنِ آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، والصحيح أن واجبَه أن يضبط نفسَه، وأنه إذا علم أنّ تواصله في جهة ما أو معها سيوقعه في هذه الإشكالات العاطفية لا يجوز له أن يذهب بنفسه إلى هذه الفِخاخ والجِباب، وابتعادُه منها في حقّه واجبٌ، ثم يلزمه أن يدربَ نفسَه لاحقًا باستمرار على قطع هذه السخافات من باله تمامًا، إلا إذا كانت النية صادقة والإمكانية موجودة باقتدار، فليأتِ القلوبَ من أبوابها، وهو مستيقنٌ أنّ الله لا يضيع مستقبل من أحسن حبًّا.

رابعًا:

كيمياء التواصل بين الجنسين إذا ما رغب أحدُهما في الآخر لا تعمل وفق قوانين المادة الكيميائية حتمية النتائج، ولا قوانين نيوتن في الفعل وتوقع رد الفعل كما يريد صاحبُه ويبني أحلامه بعد أن طاشت أحلامُه، حتى أسباب الإعجاب تختلف اختلافًا شاسعًا بين طرفٍ وآخر وجهةٍ وأخرى، وهذا ما يوجبُ على أحدهما أو البادئ منهما بالوصال أن يتوقع أنّ فضاء العيّنة كما اتّسع في التحليل لاستقبال الرسالة على أنه حب أو إعجاب، يجب أن يستوعب القبول أو الرفض.