بينما تسلط حكومة الاحتلال الإسرائيلي الضوء على إخلاء مستوطنة "عمونا" المقامة على أراض خاصة لأهالي بلدة سلواد، فإنها تسابق الزمن لسن ما يعرف بقانون "التسوية" الذي يهدف إلى شرعنة 55 بؤرة استيطانية بأثر رجعي، ومنح التراخيص لنحو أربعة آلاف وحدة استيطانية قائمة على ثمانية آلاف دونم تعود ملكيتها للشعب الفلسطيني.
ويبدو أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، يسعى إلى تضليل الرأي العام العالمي، والتغطية على حقيقة احتلاله للأراضي الفلسطينية وتعزيزه الاستيطان فيها، للقضاء حتى على ما يعرف بـ"حل الدولتين"، من خلال جذب الانتباه العالمي لإخلاء "عمونا"، في الوقت الذي ينهب فيه سائر أراضي الضفة الغربية.
وعلى أرض الواقع، لا فرق بين الأراضي المقامة عليها "عمونا" أو تلك التي أنشأ عليها الاحتلال مستوطنات وبؤر استيطانية أخرى، فجميعها هي أراض فلسطينية محتلة، في نظر القانون الدولي.
ومنذ 1967، أقام الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية ، 196 مستوطنة تشمل مستوطنات القدس إلى جانب نحو 100 بؤرة استيطانية عشوائية، ويسكن تلك المستوطنات ما يزيد عن نصف مليون مستوطن على مساحة تقدر بـ196 كم2، بحسب مراقبين.
وعقب تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المعروف عنه تأييده للاستيطان، سدة الحكم في الولايات المتحدة، صادق نتنياهو ووزير جيشه أفيغدور ليبرمان على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية.
ويعتقد النائب العربي في "الكنيست" الإسرائيلي، مسعود غنايم، أنه في ضوء تغول الاستيطان وتسارع المشروع الاستيطاني الذي يقوده نتنياهو، فإن الأمور تتجه "نحو إنهاء أي أمل بحل الدولتين".
ويقول غنايم، لصحيفة "فلسطين"، إن المشروع الاستيطاني يتجه نحو تحقيق ما يريده زعيم "الحزب اليهودي" نفتالي بينيت، وهو ضم المستوطنات لـ(إسرائيل) بهدف إنهاء القضية الفلسطينية، خاصة في ضوء الآمال الكبيرة التي عقدها نتنياهو على ترامب والإدارة الأمريكية الجديدة، لحماية ظهره ودعمه في قضية الاستيطان والإعلان عن وحدات استيطانية ومستوطنات جديدة وتعويض مستوطني "عمونا".
ويرى أن كل هذا يشير إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي لا تنوي الانسحاب من الضفة الغربية، ولا تنوي تبني ما يعرف بـ"حل الدولتين"، موضحا أن نتنياهو يريد "تكريس هذا الاحتلال من خلال تحويل المستوطنات والضفة الغربية بشكل أو بآخر إلى جزء من (إسرائيل)".
وبشأن ما يسمى قانون "التسوية"، يوضح غنايم أن هذا القانون مر بالقراءة الأولى فيما يجري التحضير للتصويت عليه بالقراءتين الثانية والثالثة، ومن المفترض أن يتم التصويت عليه الاثنين المقبل، لافتًا إلى أن "له أكثرية" في "الكنيست".
ويحذر من أن هذا القانون "هو شرعنة لكل الاستيطان، وبالتالي جعله حالة قانونية وشرعية في القانون والشرع الإسرائيلي"، مبينا أنه "تبقى قضية المحكمة العليا والاستئناف فيها، وهناك آراء تقول إنها ستبطل مثل هذا القانون، لكن لا ندري".
ويتابع: "بكل الأحوال، هذا القانون الذي يسمى قانون التسوية إضافة إلى ما يسمى قانون ضم مستوطنة معاليه أدوميم قرب القدس هو شرعنة تدريجية وقوننة للاستيطان في الأراضي المحتلة".
وبدأت حملة برلمانية إسرائيلية في يوليو/تموز الماضي لإعلان ضم "معاليه أدوميم"، تولاها العضو من اليمين بيتسلئيل سموتريتش من "البيت اليهودي"، ويوآف كيش من حزب "الليكود".
ومستوطنة "معاليه أدوميم" مقامة على مساحة 48 ألف دونم شرقي القدس، ويستوطنها نحو 41 ألف يهودي، وفيها 2500 محل تجاري، 200 حديقة عامة، 500 مؤسسة تعليمية، ويعمل معظم سكانها في القدس.
تشريد الفلسطينيين
أما الخبير في شؤون الاستيطان، عبد الهادي حنتش، فيصف عملية إخلاء "عمونا" بأنها "مسرحية"، مبينا أنه في المقابل "ستكون هناك مستعمرة جديدة لا نعلم أين سيكون موقعها، لكن هناك طاقم خاص بحكومة الاحتلال هو الذي يشرع الاستيطان ويصادق على الوحدات الاستيطانية وينتقي الأراضي التي ستخصص لمثل هذه المستعمرات الجديدة".
ويبين حنتش، لصحيفة "فلسطين"، أن هناك ضباطا إسرائيليين مختصين لانتقاء الأراضي التي تقام عليها المستوطنات والوحدات الاستيطانية الجديدة، لافتا إلى أن "محامية (إسرائيل) كانت تخرج بجولات مكوكية في الضفة الغربية عبر طائرة هليوكبتر بإيعاز من حكومة الاحتلال ولديها خرائط كل مناطق الضفة وتقوم بوضع علامات على الأراضي التي تستهدفها سلطات الاحتلال ومن ثم تصدر بهذه الأراضي أوامر عسكرية لإخلائها من الفلسطينيين".
ويلفت إلى أن عملية إخلاء هذه الأراضي من سكانها الفلسطينيين الأصليين، تتم بذريعة أنها "أملاك دولة"؛ على حد زعم الاحتلال، الذي يقوم بإمهال الفلسطينيين لأسبوع فقط لإخلائها.
ويعتقد حنتش، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي اقتربت من "ضم الضفة الغربية ككل"، متسائلا: "ماذا سيكون وضع مدينة الخليل على سبيل المثال أو طولكرم في حين أن هذه المدينة محاطة بجميع المستعمرات الإسرائيلية ووضع السكان الفلسطينيين تحت المراقبة؟".
ويتابع: "إن ما يجري الآن هو تهويد ممنهج للأراضي الفلسطينية عبر هذه المشاريع الاستيطانية الكبيرة وعبر شرعنة المستعمرات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وفرض القانون الإسرائيلي بالتدريج عليها بدءا من معاليه أدوميم، وهو التجمع الاستيطاني الذي يشمل معالي أدوميم بكل جوانبها سواء الشرقية أو الغربية أو الشمالية كما هو موجود على أرض الواقع، وكذلك ميشور أدوميم وكفار أدوميم".
ويلفت إلى "المشروع المسمى E1 شرقي القدس والذي تم بموجبه مصادرة 12 ألفا و442 دونما، وتريد سلطات الاحتلال ضم هذا الجزء الآن لمدينة القدس عبر الشوارع الموجودة حاليا"؛ مردفا: "هذا سيكون عبارة عن فصل لمدينة القدس من الجهة الشرقية لتصبح الضفة عبارة عن جزئين شمالي وجنوبي لا يربطها سوى الشارع الالتفافي الموجود، الذي يرتاده المواطنون الفلسطينيون عندما يذهبون إلى رام الله، وهو الشارع رقم 40 الذي يبلغ عرضه 16 مترا فقط".
وصادقت ما تسمى "لجنة التنظيم والبناء" التابعة للاحتلال، مؤخرًا، على منح تراخيص جديدة لإقامة 153 وحدة استيطانية في مستوطنة "جيلو" في شرقي القدس، وقالت إذاعة الاحتلال إن ذلك يندرج ضمن خطة كبرى ترمي إلى بناء 900 وحدة سكنية في المستوطنة.
وشرعت سلطات الاحتلال، بتطبيق القانون المدني على المستوطنين الذين كان يتم التعامل معهم بموجب القوانين العسكرية، بالمقابل كثفت من تنفيذ مخططات البنى التحتية على حساب الوجود الفلسطيني والأراضي الفلسطينية، حيث سيستولي المشروع الاستيطاني على نصف مساحة الضفة الغربية.