فلسطين أون لاين

​رحل شلبي حاملًا هم وطنه وعائلته

...
غزة- هدى الدلو

في كل جمعة يسألون الله أن تمر بسلام وأمان، وألا يفجعهم بفقد قريب وعزيز فيخيم الحزن على جدار قلوبهم، ولكنه الوطن والأرض والعرض من لها غير أهلها وأصحابها بعد عن تخلى عنهم القريب قبل البعيد، من يسترد لهم حقوقهم المسلوبة؟، ولكنهم في الجمعة الماضية كانوا على موعد مع وداع عزيز، السند الثاني في البيت، لتتبعثر سكينة أفئدتهم بخبر استشهاد حسن، فقد أصبح من الآن ذكرى مؤلمة وقاسية على ذويه..

حسن شلبي (14 عامًا) استشهد عصر أول من أمس الجمعة, أثناء مشاركته في مسيرات العودة وكسر الحصار للجمعة السادسة والأربعين, والتي كانت بعنوان "لن نساوم على كسر الحصار"، على الحدود الشرقية لمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.

في صبيحة يوم الجمعة وقبل ذهابه للمشاركة في مسيرة الوطن والحقوق، كان كالفراشة الزاهية ألوانها, يضحك ويلعب مع إخوته، حتى أنه قال لهم: "يلا اضحكوا والعبوا أبصر تشوفوني بعد هالمرة"، ولكن جو الضحك الذي سيطر عليهم لم يجعلهم ينتبهون إلى كلماته.

أما والدته التي آلمها ما قام به حسن عندما أخرج ملابسه من الخزانة، وقال لها: "اتصرفي فيهم لم يعد لهم أي لزوم.. أنا اليوم يمكن استشهد"، فاستفز مشاعرها: "وأنا يما شو أعمل بعدك، أمانة ما تروح اليوم على المسيرات".

وقالت رائدة هنية خالة الشهيد: "رغم عمره الطفولي إلا أنه كان يحمل على عاتقه هما أكبر منه، همَّ الوطن والحقوق المسلوبة، وهمَّ عائلته التي تشتكي الفقر وسوء الوضع المادي والاقتصادي، فكان يعود من مدرسته يرمي حقيبته أرضًا، ويذهب باحثًا عن عمل ليحصل لقمة عيش لوالدته".

والد حسن المعيل لثمانية أفراد، عاطل عن العمل، وليس لهم مصدر دخل، ومؤخرًا شمله قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بقطع راتب الشئون الاجتماعية ليكون إحدى ضحايا مجزرة الرواتب التي ترتكبها السلطة الفلسطينية، ليسوء وضعهم أكثر.

ولكن رغم أن حسن ليس أكبر إخوته، إلا أن لديه حسا بالمسئولية تجاه أمه وإخوته، ويساعد والده في توفير أدنى الاحتياجات الأساسية للبيت.

أما شقيقته ختام الأكبر منه والتي تربطها معه علاقة أخوة وصداقة، لم تستوعب نبأ استشهاد شقيقها، فلا يمر عليهم يوم دون المزاح والضحك، وأحيانًا بعض المواقف التي تسبب "الزعل"، وقد باتت عليها آثار الصدمة لحظة وداعه "حسن قوم معي أمانة، قوم عشاني، والله ما أنا مزعلاك بس قوم يا حبيبي يا حسن".. كانت تلك الكلمات ممزوجة بالبكاء والصراخ محاولة إيقاظه، ولكن دون جدوى فرصاصة الاحتلال خطفت روحه وضحكاته، ليرتقي شهيدًا تاركًا مدرسته وأحباءه.

وقالت جدته بصوت حزين: "لم يكن يطلب مصروفًا من والده كالأطفال في عمره, الذين يقضون أوقاتهم في اللعب واللهو، فقد كان حاملاً لمسئولية أكبر منه، فكل يوم يذهب ليبحث عن عمل لو بعشرة شواكل، ليأمن قوت اليوم".

وأضافت: "رغم وجع الفقد ومرارته إلا أننا نحارب عشان وطننا وشرفنا وحقوقنا الي ضاعت منا، وعشان لقمة العيش المغموسة بالوجع وطعم العلقم بسبب تآمر القريب علينا وقطع رواتبنا، ورغم تخاذل الجميع من حولنا".

ختمت حديثها بلهجة باكية: "حسبي الله ونعم الوكيل على كل ظالم ومتآمر على أهل غزة، استشهد حسن ليشكو لله ظلم الأعداء وصمت الأشقاء، ومرارة الفقر وضنك العيش، رغم صغر حسن إلا أن حنانه كان أكبر منه، ويشعر بشعور عائلته ووضعهم المادي".