فلسطين أون لاين

​رسمي أبو عليا وابنه.. بين رصاصة دولة ورصاصة مستوطنة؟!

دخلت غرفة المستشفى الاستشاري الذي استقر فيه الجريحان: الولد وأبوه (رسمي أبو عليا وابنه معاذ من قرية المغير التي داهمها المغول الأسبوع الماضي) الولد أصيب برصاصتين اخترقتا حوضه فأقعدتاه صريع الرصاص والإعاقة، والأب رصاصة اخترقت ركبته وتشظت ثلاث قطع في عظمه المسنّ، وقد اكتسب أهل القرية الخبرة ليميزوا بين رصاصة المستوطن المحتل ورصاصة جيش الاحتلال، فالوالد حظي برصاصة هذا الجيش، حيث كانت من النوع الذي يتشظى قطعا صغيرة حالما يدخل جسم الضحية، وهذه من تلك التي يستخدمها الجيش، الولد أصابه رصاص مدفع رشاش من النوع الذي يستخدمه المستوطنون، فمن نوع الرصاصة يشخص مصدرها، الولد أصابته رصاصة الغطرسة والعربدة التي يمارسها المستوطنون بحماية من جيش المستوطنة الكبيرة التي أطلقوا عليها اسم دولة وسموها باسم نبي على زعمهم (إسرائيل).

الفعل واحد دينه وديدنه ممارسة العربدة، والنتيجة واحدة الانتقام من هذا الفلسطيني الذي يريد فلاحة أرضه بعيدا عن هذه العربدة، الوالد أصيب وهو يصلي في الأرض المهددة بالمصادرة، والابن حالوا بينه وبين زيتون جده، ووقفوا في طريقه، ولما أصرّ على ممارسة حقه فتحوا عليه مدافعهم ليزرعوا الألم والموت وليلبسوه لباس القهر، وليلقوا عليه كل أحقادهم وسواد قلوبهم.

روح الإنسان الفلسطيني تقع بين رصاصة المستوطن ورصاصة الدولة المستوطنة!، يحلو لهم ممارسة القنص واصطياد الأرواح التي لا يرونها سوى عابرة في سمائهم، لا تحق لها الحياة إلا إذا كانت عاملة خادمة في عمارة المستوطنة التي أقيمت خاوة على أرضهم، لا يجوز لها إلا أن تكون قطيعا من الأغنام مستعدة للذبح ودخول مسالخهم، الفلسطيني الجيد هو الذي لا أرض له ولا وطن ولا تاريخ ولا حاضر ولا مستقبل، الماكينة التي تشتغل بروموتهم كيفما أرادوا، الفلسطيني في نظرهم روبوت يتحرك وفق برمجتهم، يقوم بمهامه خير قيام، ويُعدم إذا حاد عن هذه المهام.

رسمي أبو عليا أسير سابق إحدى عشرة سنة، (أقصد بعدم القول أسير محرر، فكيف يكون محررا وبيته وقريته معرضان للاجتياح من المغول الجدد) رجل عصامي دخل السجن مرفوع الرأس وخرج منه بعنفوان لا يقل عن عنفوانه قبل أن يخوض غمار السجون ويغرسوا في جسده كل نصالهم، لم يطلب من أي كان جزاء أو شكرا أو منصبا أو رتبة عسكرية أو راتبا، عاد ليعيد لسناسل أرضه رونقها الأصيل، دخل السجن مناضلا مجاهدا وعاد إلى أرضه زارعا فالحا ليخرج كنوزها الخالدة وزيتونها المبارك. رسمي أبو عليا عرفه حق المعرفة كل من التقاه في السجون، له سمته الخاص وبصمته الثائرة ومثابرته التي لا تفتر في ميادين الخدمة والعطاء والسهر على راحة شركائه في القيد والحرية والجهاد.

سار في حبسة طويلة من غير شكوى أو تظلم أو آهة تدل على لحظة ضعف أو انكسار أمام السجان، بل كان متقنا لفن إغاظة الأعداء وضرب صدورهم الحاقدة برمح روحه الثائرة، يضرب بأقوى ما في نفسه نقاط ضعف نفوسهم الظالمة المتهالكة والمغتاظة من جلد هؤلاء الأحرار. جاءه من يتصور نفسه أنه ظل هذه الدول المقيتة وحامي حماها، اقتحم بيته في غسق الليل، مد يده الملطخة بمدمائنا ليصافحه، مشهد مسرحي معتاد عليه مع غير رسمي ولكن الأمر مع رسمي يختلف، صده بمقتل في قلبه: "يدي لا تصافح المحتل". وكلفت رسمي هذا الموقف سنة اعتقالية أضيفت إلى سنوات سجنه العشر السابقة.

رسمي رجل ارتوى من مياه المغير وأشبع من زيتها الحر، وقرية أنجبت مثل رسمي رجالا لا تثني عزائمَهم غطرسةُ مستوطنين ولا جبروت جيش محتل، أرواحهم تحلق بين رصاصهم وتسكن على حافة الموت، هم المنتصرون والمحررون بهذه الروح العالية وهذه النفوس الأبية الثائرة.