"هيمنة، وتفرد، وإقصاء" تلك هي السياسة التي يتبعها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للتمسك بمنصبه رغم انتهاء ولايته القانونية في 2009م، دون أن ينصت برهة من الزمن للرأي الوطني الجامع لترتيب البيت الفلسطيني، بحسب رأي مراقبين.
ومن أبرز أدوات عباس للهيمنة والتفرد والسيطرة على السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية سياسة إصدار "القرار بقانون"، بعد تعمده تعطيل المجلس التشريعي المنتخب ثم حله.
ومنذ 2007م أصدر عباس نحو 250 قرارًا بقانون، متجاوزًا بذلك عدد القوانين التي أعدها المجلس التشريعي منذ 1996م.
ومن النماذج التي عمل عباس بها على فصل الضفة الغربية وعزلها عن الوطن الفلسطيني إقراره قرارًا بقانون الجرائم الإلكترونية، وتشكيل المحكمة الدستورية، والضمان الاجتماعي، وغيرها.
عباس الذي سلب صلاحيات المجلس التشريعي عمل على إصدار القرارات بقانون، مستغلًّا المادة (43) من القانون الأساسي الفلسطيني، التي تعطي إجازة لرئيس السلطة لإصدار قرارات بقانون في حالات الضرورة فقط، والتي لا تحتمل التأجيل، وهو ما لا ينطبق على حالة تعطيل عباس "التشريعي" المنتخب.
الباحث في الشؤون القانونية د. عصام عابدين يقول لصحيفة "فلسطين": "السيل الكبير من القرارات بقانون التي تصدرها السلطة التنفيذية يعكس أزمة خطيرة في النظام السياسي الفلسطيني برمته"، مشددًا على أنها "أحد أسباب تآكل السلطات العامة والمبادئ القانونية".
ويبين عابدين -وهو المستشار القانوني لمؤسسة الحق- أن "السلطة التنفيذية هي التي تشرع وتنفذ، مع حالة نزف يشهدها القضاء الفلسطيني وتدهور غير مسبوق"، مؤكدًا أن هذه الحالة تطبيق لـ"التفرد بالسلطة واتخاذ القرار".
ويضيف: "هناك حالة تصدع وانتكاسة في حقوق الإنسان، مع إقرار قرارات بقانون تخالف ما انضمت إليه السلطة الفلسطينية من اتفاقات دولية تتعلق بحقوق الإنسان"، مشيرًا إلى وجود تصدع وانتكاسة في النظام السياسي الفلسطيني وحقوق الإنسان.
"ليست ضرورة"
وعن طبيعة القرارات بقانون التي أصدرها عباس يوضح عابدين أن هذه القرارات والتشريعات الاستثنائية جلها لا ينطبق عليها صفة الضرورة.
ويتفق الاختصاصي القانوني صلاح عبد العاطي مع عابدين بالقول: "بالمراجعة الموضوعية لتلك القرارات بقوانين نرى أنها لا تحتمل صفة الضرورة ولا الاستثناء الذي لا يحتمل التأجيل"، مؤكدًا أن تعطيل عمل المجلس التشريعي كان بقرار سياسي.
ويضيف عبد العاطي في حديثه إلى صحيفة "فلسطين": "المنظومة التشريعية تأثرت بجملة من القرارات بقوانين، التي تعزز هيمنة السلطة التنفيذية على الحياة السياسية والاقتصادية، وأعطت عباس والسلطة التنفيذية صلاحيات السيطرة والهيمنة على السلطة القضائية من ناحية أخرى".
ويوضح أن هذه القرارات أدت إلى غياب مبدأ سيادة القانون، ومعايير الحكم والتشريع الجيد، وإلى تشريعات لا تلتزم بمبادئ حقوق الإنسان تبعًا للاتفاقات التي انضمت إليها فلسطين.
ويؤكد عبد العاطي أن القرارات بقوانين كقانون الجرائم الإلكترونية وتعديلات قانون المحكمة الدستورية والتقاعد المبكر، وغيرها ساهمت في تعزيز الفصل القضائي والقانوني، داعيًا إلى إعادة النظر نظرة شاملة فيها وفي تأثيرها وكلفتها على المجتمع الفلسطيني.
وإن تشكيل عباس المحكمة الدستورية أحد أبرز قراراته، وعدها مراقبون أداة له لتمرير قراراته غير الشرعية، التي كان آخرها حل المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب الذي تكتسح فيه حركة المقاومة الإسلامية حماس الأغلبية.
وبالعودة إلى عابدين يوضح أن المخرج الحقيقي من هذه الأزمة عقد انتخابات عامة وشاملة لرئاسة السلطة والمجلسين الوطني والتشريعي، مشددًا على ضرورة توفير بيئة انتخابية صالحة لها، وإطلاق الحقوق والحريات العامة.
ويكمل: "يجب خلق مناخ انتخابي يؤدي إلى عملية انتخابية شاملة، واحترام حق المواطنين باختيار ممثليهم".
لكن عباس ماض في تشكيل حكومة توصف بأنها فتحاوية بامتياز، وعقد "الوطني" و"المركزي" دون توافق العام الماضي، وهو ما لا يوفر بيئة صالحة لإجراء انتخابات شفافة، بحسب رأي مراقبين.