فلسطين أون لاين

​محمود عباس.. 14 سنة من صناعة الانقسام

...
صورة أرشيفية
القاهرة-غزة/ نور الدين صالح:

14 سنة قضاها الثمانيني محمود عباس على سدة رئاسة السلطة، ممسكًا بتفاصيل قراراتها كاملةً، ومشرعًا سيف الإقصاء والانتقام في وجه معظم الفصائل الفلسطينية، حتى ما يعرف بـ"التيار الإصلاحي" في حركة فتح.

عباس ينعته مقربوه بـ"المتفرد"، وخصومه السياسيون بـ"الديكتاتوري"، والاختصاصيون في السياسة بـ"عراب الانقسام"؛ نظرًا لما شهدته مدة حكمه من انقسام في النظام الداخلي الفلسطيني، وحركة فتح، وصولًا إلى منظمة التحرير.

بدأ عباس مدة حكمه بصناعة انقسام سياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، مرورًا بإقصاء حليفه سابقًا في فتح محمد دحلان (مفصول حاليًّا من الحركة) ليُحدث شرخًا هو الأعمق في تاريخها منذ التأسيس، ونهايةً بإقصائه شركاءه في منظمة التحرير الفلسطينية.

المفكر الفلسطيني الإستراتيجي المقيم في القاهرة عبد القادر ياسين يذكر أن حركة فتح انشقت في مطلع تولي عباس سدة الحُكم إلى شقين.

ويقول ياسين في اتصال هاتفي مع صحيفة "فلسطين": "إنه عُرف عن عباس عداؤه للمقاومة الفلسطينية والكفاح المسلح، إذ وقف ضد استمرار الانتفاضة، وعمل على قمعها ووقفها".

ويرى أن غالبية أعضاء حركة فتح يفتقرون للرأس الذي يجمعهم، ويقودهم إلى القرارات الوطنية التي تخدم القضية الفلسطينية، وليس كما يفعل عباس.


محطات

ما بين هذه المراحل كان لعباس محطات سلبية على القضية الفلسطينية عامة، اتخذ خلالها العديد من الإجراءات والقرارات التي وصفتها الفصائل بـ"الإقصائية والمتفردة"، وتضر بالمصلحة الوطنية.

أول الإجراءات كان تصعيد حدّة الانشقاق في فتح والخصومة مع دحلان، وإقصاء كل من يؤيده، وهو ما أحدث شرخًا كبيرًا في صفوفها، وأوجد تيارات مختلفة، واستمر ذلك إلى الآن، كما استحوذ على مناصب عدّة فيها.

وعلى صعيد منظمة التحرير عمل على تجزئتها وإقصاء بعض الشخصيات القيادية خارجها، فضلًا عن جُملة من القرارات التي أضرّت بالقضية الفلسطينية، وزادت الهوّة بين فصائلها.

ولم يأبه عباس لحالة الفرقة السياسية بين الفصائل؛ فعقد المجلسين "الوطني والمركزي" بعيدًا عن الفصائل الفلسطينية الوازنة، مثل: حركتي حماس والجهاد، والجبهتين الشعبية والديمقراطية، وحركة المبادرة الوطنية.

وأبقى عباس على قرارات المجلسين بشأن: تعليق الاعتراف بالكيان العبري، والتخلص من التزامات اتفاق أوسلو، ووقف التنسيق الأمني حبرًا على ورق، ولم تلقَ تنفيذًا فعليًّا على أرض الواقع.

وهنا يُعلق المفكر ياسين على ذلك بقوله: "إن استبداد عباس لم يقتصر على الشعب الفلسطيني فحسب، بل امتد إلى بقية الفصائل، خاصة المنضوية تحت مظلة منظمة التحرير"، واصفًا إياها بـ"أسيرة المال" المدفوع من الدول المانحة.

ويُشير إلى أن هذه الدول نصّبت عباس لمنح هذه الأموال الفصائل ومنعها عنها كيفما يشاء ووفقًا لأهوائه الشخصية، لافتًا إلى أن هذا القمع استمر داخل "فتح"، فحرم الكثير من مواليها معاشاتهم لمجرد الاشتباه بهم أن لهم علاقة بطرف آخر.

ومن ضمن القرارات الانفصالية فرض عباس في آذار (مارس) 2017م إجراءات عقابية على قطاع غزة، شملت: خصومات من رواتب موظفي السلطة بنسب تتفاوت من 30% إلى 70%، وتقليص إمدادات الكهرباء، والتحويلات الطبية، وإحالة الآلاف إلى التقاعد المبكر الإجباري.

أيضًا عرقل تطبيق اتفاقات المصالحة الموقعة بين حماس وفتح، التي كان آخرها بالقاهرة فيتشرين الأول (أكتوبر) 2017م.

ويُعقّب المفكر الفلسطيني ياسين بالقول: "في الوقت الذي يضرب فيه على شعبنا بغزة حصار ظالم، وتتسع دائرة الفقر المدقع والبطالة، يُقدم عباس على قطع رواتب بعض الموظفين وأهالي الشهداء والأسرى، بهدف زيادة معاناة غزة، بزعم أنه يتصدى لصفقة القرن".

وبحسب قوله إن عباس يعمل بالتناغم مع الخطة الإسرائيلية- الأمريكية، نحو تصفية القضية الفلسطينية، وتعميق الحالة الراهنة، وفرض المزيد من العقوبات على قطاع غزة، محاولًا إخضاعه لسيطرته بالقوة.

وفي مسار التطبيع الذي تمارسه أنظمة ووفود عربية مع الاحتلال الإسرائيلي يتخذ عباس موقفًا يبدو متساوقًا مع توطيد العلاقات العربية- الإسرائيلية.

وهنا يستدل ياسين على ذلك بأن عباس يلتزم السكوت عن هرولة أنظمة عربية نحو التطبيع مع الكيان، خاصة ما حدث في معظم دول الخليج، واستقبال الوفود الإسرائيلية.

ويشدد على أن "عباس هو الذي يشجع البلدان العربية على التطبيع مع الاحتلال، ويدعوهم أيضًا لزيارة الضفة الغربية، كما يفعل مع الذين يتسولون إلى الكيان".

وتجدر الإشارة إلى أن وزراء من الاحتلال زاروا بلدانًا عربية أخيرًا، في إطار توطيد العلاقات التطبيعية بينهما، كما زار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو سلطة عُمان، وسبقها أيضًا زيارة وزيرة الثقافة والرياضة في حكومة الاحتلال ميري ريغيف إلى دولة الإمارات.