بعد صمت نسبي، أدلت السلطة الفلسطينية بدلوها في الانتخابات الإسرائيلية قبل أيام، خلال لقاء جمع الرئيس محمود عباس بنشطاء سلام إسرائيليين، وعبر فيه عن أمله بأن تسفر الانتخابات القادمة عمن يؤمن بالسلام، وأبدى حرصه على ضمان أمن الشباب الإسرائيلي، وأن يعيش في أمن واستقرار، واستعداده لاستئناف المفاوضات مع الإسرائيليين، حتى بدون شروط مسبقة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل خرجت تصريحات قريبة من عباس ترحب بإعلان المرشح العسكري الإسرائيلي "بيني غانتس" أنه مستعد لتنفيذ انفصال من الضفة الغربية، أسوة بما نفذه أريئيل شارون من غزة في 2005.
التدخل الفلسطيني الرسمي في الانتخابات الإسرائيلية، والرهان عليها بصورة أكثر دقة، يبدو نهجاً سياسياً تتبناه منذ عقود على اعتبار أن المجيء بأحزاب أقل يمينية، بعد غياب اليسار باستثناء بعض بقاياه، يبدو أجدى من الحكومة القائمة، ولو من الناحية الشكلية في تحريك عجلة المفاوضات، وأخذ الصور التذكارية، والاستعداد لإعادة الكرة من جديد.
لا تمل السلطة الفلسطينية عند بدء الدعايات الانتخابية الإسرائيلية أن تكون جزءا منها، ولو من باب تقديم الدعم التطوعي المجاني لهذا المرشح أو ذاك، مع أنها جربت يمين اليمين ممثلا في شارون الذي حاصر ياسر عرفات وقتله، وأعادت التجربة ذاتها مع الوسط وأطراف اليسار ممثلا في الإيهودين: باراك وأولمرت، ولم تعد مع التيارين إلا بخفي حنين.
الكارثة المتحققة في رهانات السلطة الخاسرة أمام الانتخابات الإسرائيلية أنها ترى الخارطة الحزبية الإسرائيلية تنزاح يميناً، ويمين اليمين، إلى الدرجة التي دفعت بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الحالي إلى اتهام منافسه القوي "غانتس" بأنه يمثل مواقف اليسار، رغم أن الأخير استهل دعايته الانتخابية بمشاهد دامية لحربه الإرهابية الأخيرة في غزة 2014، متفاخرا بإعادة غزة إلى العصر الحجري.
يقف المرء مشدوها مندهشا من استمراء السلطة الفلسطينية لإعادة المجرب الذي خبرته طوال قرابة ثلاثين عاما، وهي تنتقل في تجاربها بين مختلف الأحزاب الإسرائيلية وقادتها منذ بدء عملية التسوية: الإسحاقين: شامير ورابين، شمعون بيريس، بنيامين نتنياهو في ولاياته الأربع، إيهود باراك، أريئيل شارون، إيهود أولمرت.
معظم هؤلاء، إن لم يكن كلهم، قدموا وعودا انتخابية لإنهاء الصراع مع الفلسطينيين، سواء بالتسوية والمفاوضات، أو بالخطوات أحادية الجانب، وفي كل مرة كانت تتبخر أحلام السلطة الفلسطينية على صخرة المواقف الإسرائيلية بعد انتهاء الانتخابات، وخضوع كل رئيس حكومة لابتزازات شركائه في الائتلاف الحكومي من جهة، أو رغبته بتطبيق تطلعاته الأيديولوجية تجاه الفلسطينيين، بعد أن انتهى موسم المزاودات الانتخابية.
لا يبدو أن خيبات الأمل الفلسطينية من الانتخابات الإسرائيلية خلال العقود الثلاثة الماضية كافية لإقناع السلطة الفلسطينية بالإقلاع عن هذه المراهنات الخاسرة..لا يبدو، للأسف الشديد!