منذ أشهر عدة والساحة الفلسطينية منتفضة ضد قرار قانون الضمان الاجتماعي الذي تصر حكومة الحمد الله السابقة على تطبيقه، ونظم المعترضون عليه فعاليات كثيرة، حتى جاء قرار إيقافه، ففرح الذين كانوا بالأمس يعترضون، وصار من كان يؤيده قبل إيقافه يتغنى بحكمة الرئيس وحنكته وإنسانيته.
لكن من يتأمل في توقيت إيقافه أو تجميده لا بد أن تقفز الأسئلة أمامه، لماذا أوقِف في فترة رحيل الحكومة بالذات؟ ألم يعلم عباس بفكرة الضمان الاجتماعي منذ الإعلان عنه؟ ألم يسخر من الحراك بعض القادة المحسوبين على السلطة وفتح؟ ألم تمنع الأجهزة الأمنية المتظاهرين من الوصول لساحة محمود درويش في رام الله للتظاهر ضد قانون التضامن، وقمعتهم؟ ألم يُهمش الحراك الرافض إعلامياً من الوسائل الإعلامية الرسمية التابعة للسلطة؟
إن الإجابة تتطلب النظر في الحالة الفلسطينية بمجملها، خاصة السياسية والاقتصادية، فالحالة السياسية رديئة، بفعل سياسات السلطة، لذا أراد عباس بذلك الإيقاف أو التجميد أن يحسن صورته أمام الشعب، ثم إظهار أن الحكومة هي التي سعت لإقرار القانون، ويُخرج نفسه من حالة المواجهة مع الشعب، وأن يهدي الحمد الله نهاية مكافأة الخدمة لكن على طريقته المهينة، وعلى الصعيد الاقتصادي فكل مظاهر الفقر والبطالة والفساد تطفو على سطح الجغرافية الفلسطينية، فأراد عباس أن يظهر كأنه المنقذ للشعب من أزماته المعيشية وإلهاء شطر من الشعب "الضفة" ضد ما يفعله بأهل الشطر الثاني من الوطن "غزة"، لتمرير إجراءات انتقامية جديدة على غزة.
ثم إنه لا يمكن تصديق فكرة أن عباس يجهل هذا القانون بما يحمل من تعقيدات تمس حياة المواطن مباشرة، أو أن عباس لم يعرف عن الحراك الشعبي ضد قانون الضمان الاجتماعي، فقد لاحظنا خلال الفترة السابقة انتقادات من قادة فتح والسلطة للحراك، ونظروا له على أنه مُسيس وقمعت قوات الأمن الفلسطيني المتظاهرين، ومنعت الرافضين من مناطق عدة من الوصول إلى ساحة محمود درويش للتظاهر ضده، حتى أن وسائل إعلام السلطة لم تولِ اهتماما إعلاميا يليق بحجم الاعتراض على القانون.
لقد روج أنصار القانون له، حيث أظهروا ما قد ظنوه أنه محاسن للقانون، لكن المعارضين اكتشفوا الالغام التي تسكن في حقل القانون، ولربما من الواجب ذكر بعض الملاحظات على قانون التضامن كما وضحتها المؤسسات المعنية بالأمر.
لا يشمل العاملين خارج القطاع الحكومي، ولا يشمل التأمين الصحي وتأمين البطالة، كما أن نسبة العائد للعامل لن تتراوح إلا حول الحد الأدنى للأجور والتي هي دون خط الفقر المدقع، ويحتاج العامل إلى الإيفاء بالتزاماته للصندوق بما يعادل 30 عاما كي يحصل على 60% من آخر راتب تقاضاه كمعاش تقاعدي، ثم إنه استثنى قطاعات كانت تستحقه أصلا لكنها أُخرجت منه لظروف قاهرة، فمثلا من يدفع الاشتراك لفترة تقل عن 24 شهرا ثم يُتوفى تُؤخذ أمواله ولا يورث الراتب التقاعدي لأهله، هذا إضافة للزوج الفقير المعدم الذي تتوفى زوجته وهي مسجلة في الضمان الاجتماعي، إلا بشرط أن يكون هناك سبب صحي يمنع الزوج من العمل، كما أن الزوجين في حال كانا مسجلين في الضمان الاجتماعي كونهما موظفين، فإن الراتب التقاعدي يُدفع لصاحب الراتب الأعلى منهما ولا يُدفع لكلا الطرفين، ما يعني أن أحد الزوجين تبرع باشتراكاته الشهرية طوال فترة خدمته لصندوق الضمان الاجتماعي، و المعيب أكثر أن أرملة الشهيد لا ترث لأن زوجها مات ميتة غير طبيعية.
إجمالاً فإن الدول التي تحترم نفسها وتحترم مواطنيها تحاول جاهدة التخفيف عن كاهل المواطن، وتبذل كل جهدها من أجل رفع مستوى رفاهيته خاصة فيما يتعلق بالحاجات الضرورية، وكأني أراها تطبق فلسفة الإسلام في الاهتمام بالرعية.