بينما يواصل سلاح الجو الإسرائيلي توجيه ضرباته العسكرية لعديد من الأهداف بدول عدة في المنطقة، يعتقد الإسرائيليون أنها الطريقة المثلى لتحقيق أهداف عملياتية مجدية دون خوض حرب قتالية واسعة، وتحقق ذلك بفضل إستراتيجية "المعركة بين الحروب".
وصلت الإستراتيجية ذروتها باستهداف المقاومة الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها، والمواقع العسكرية الإيرانية بسوريا، وقوافل الأسلحة المتجهة لحزب الله بلبنان، وتعطي دلالات أهمها أن القوة الهجومية الإسرائيلية تحافظ على نفسها، وتمنح إسرائيل القدرة على توجيه ضربات محددة مركزة في الوقت والمكان الذي تريد.
على ما في هذه الإستراتيجية من نجاحات، وفق التقييم الإسرائيلي، لكنها قد تتسبب باندلاع فرص التصعيد العسكري الناجم عنها، واليوم بعد مرور ست سنوات تقريبا على بدء العمل بهذه الإستراتيجية العسكرية فقد آن أوان إجراء تقييم لها، خاصة أن العمل بها يهدف لتحقيق إنجازات جوهرية، دون دفع أثمان كبيرة ومكلفة.
تقررت هذه الإستراتيجية لمواجهة الفوضى العسكرية التي اجتاحت سوريا عقب اندلاع الحرب فيها، ما أفسح المجال لحرية حركة إضافية لسلاح الجو والجيش الإسرائيليين من أجل تقليص المخاطر القادمة من سوريا بأقل قدر ممكن، دون أن يؤدي ذلك لنشوب حرب واسعة شاملة لا تريدها إسرائيل.
أسفر تنفيذ هذه الإستراتيجية عن قيام سلاح الجو باستهداف مئات الهجمات الجوية ضد سلسلة طويلة من الأهداف العسكرية داخل الأراضي الفلسطينية واللبنانية والسورية، وتحديدا ضد عمليات نقل الأسلحة المتطورة من إيران إلى حزب الله من خلال سوريا، بجانب الحيلولة دون تأسيس قواعد عسكرية إيرانية في سوريا، وأظهرت هذه السياسة قدرة عسكرية عملياتية وإمكانات استخبارية معلوماتية واسعة بكل ما يتعلق بالمواقع المستهدفة.
يمكن قراءة جملة الأهداف التي حققتها هذه الإستراتيجية، أولها استمرار الضربات الموجهة للمقاومة الفلسطينية، لا سيما في غزة، وثانيها منع الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وثالثها إعاقة وصول الأسلحة المتطورة من إيران لحزب الله، لا سيما الصواريخ المصنفة بأنها كاسرة للتوازن، ورابعها أنها تواصلت دون استقبال ردود فعل حقيقية من الجهات التي تمت مهاجمتها، سواء إيران أم سوريا أم حزب الله.
أخيراً.. واجهت هذه السياسة جملة مخاطر وتحديات في السنوات الأخيرة من أهمها: أولها الوجود العسكري الروسي في سوريا منذ أواخر 2015، ما تطلب إقامة جهاز تنسيق عملياتي بين الجيشين الروسي والإسرائيلي، وثانيها تغيير السياسة الدفاعية السورية التي بدأت بالرد على القصف الجوي الإسرائيلي لأهداف داخل أراضيها، ما نجم عنه سقوط بعض الصواريخ السورية داخل إسرائيل.
ويكمن التحدي الثالث الذي واجه إستراتيجية "المعركة بين الحروب"، في الوجود العسكري الإيراني داخل سوريا، ما تطلب إدارة مخاطر حساسة ودقيقة من مغبة تدهور الأمور لتصعيد عسكري غير مرغوب.