فلسطين أون لاين

مواقع الانفصال الاجتماعي


أطلقت شركة آيبوك ipoke –وهي شركة فلسطينية تعمل في مجال التسويق الرقمي والدراسات الرقمية والبحثية- قبل أيام عدة تقريرها السنوي الخاص بالإعلام الاجتماعي في فلسطين (سوشيال فلسطين) عن العام الماضي 2018م، وفي أثناء تنقلي بين ثنايا ذلك التقرير استوقفتني بعض الأرقام التي يجب أن نقف عندها طويلًا، لدراسة ما قد تُخفيه بعض نتائج هذا التقرير.

يقول التقرير: "إن 49% من الفلسطينيين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي في المدة المسائية الواقعة ما بين الساعة الـ5 عصرًا والساعة الـ9 مساءً"، وباعتقادي أن هذه المدة الزمنية هي أنسب مدة يُمكن أن تجتمع فيها الأسرة معًا، ويلتقي فيها الوالدان أفراد أسرتهما، للاطمئنان على أحوالهم، والاستماع إلى مشاكلهم وهمومهم، والاستمتاع والأُنس بقربهم، لكن –يا للأسف- (فيس بوك) يسرق بهجة هذه الأوقات ومتعتها؛ لانشغال أفراد الأسرة بمتابعة المُستجدات على تلك المنصات الاجتماعية، وكل فردٍ من أفراد الأسرة أصبح منطويًا على نفسه، متقوقعًا على جهازه المحمول.

وهذا ما يحصل على أرض الواقع؛ فقد أخبرني أحد زملائي ذات يوم أنه كان يجلس في صالة منزله، واحتاج لأن يشرب كوبًا من الماء، ولم يكن عنده أحدٌ من أبنائه ليحضر له مبتغاه، فبحث عبر برنامج المحادثة Messenger عن أحدهم؛ عَلَّه يكون موجودًا ويحضر له حاجته، وفعلًا وجد أحد أبنائه متصلًا، فكتب له طالبًا منه إحضار كوب ماء، وما لبث إلا أن أحضر له مراده، مع العلم أن ابنه كان في الغرفة المجاورة له، ولا يبعد عنه سوى بضعة أمتار، وكان باستطاعة هذا الوالد أن يُنادي على ابنه ويطلب منه ما يريد.

خلُص التقرير ذاته إلى أن 17% من مستخدمي موقع (فيس بوك) يستغرقون في الجلسة الواحدة من ساعتين إلى خمس ساعات متواصلة لتصفح (فيس بوك)، وهي مدة زمنية ليست بالقصيرة، وهذا لا يقتصر فقط على فئة الشباب، بل إن 5% ممن تزيد أعمارهم على 55 عامًا يوجدون على هذه المنصة الاجتماعية، بمعنى أن بلوى تفتُّت النسيج المجتمعي إلى جانب إهدار الوقت بلا طائل ستطال الجميع دون استثناء، إن لم نُحسن ضبط أنفسنا وأوقاتنا عند تصفحنا تلك المواقع.

لما سبق نجد أن العلاقات الاجتماعية الطبيعية والتواصل البشري المباشر مع الآخرين آخذين في التآكل؛ فكان من الواجب أن ندق ناقوس الخطر، حتى لا يأتي ذلك اليوم الذي نعض فيه على أصابع الندم، ونقول فيه إن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مواقع للانفصال الاجتماعي.