أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرارا يقضي بعدم تجديد مدة بقاء القوات الدولية في الخليل، وهنا لا بد من الإجابة عن بعض الأسئلة المهمة: ما هي صلاحيات هذه البعثة؟ وماذا قدمت لمدينة الخليل؟ ولماذا يمنعها نتنياهو الآن؟
بعثة الوجود الدولي المؤقت في الخليل هي بعثة مراقبة مدنية، لا يحق لأعضاء البعثة التدخل في الحوادث أو النزاعات، وأُقرت البعثة بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي المروعة عام 1994 بقرار مجلس الأمن الدولي 904، وكان ذلك تعبيراً عن الصدمة والإدانة الدولية العارمة من هذه المجزرة، إلا أنها تأسست عام 1997 بوجود مراقبين دوليين من ست دول: الدنمارك وإيطاليا والنرويج والسويد وسويسرا وتركيا، وقد دُعيت البعثة من الاحتلال والسلطة الفلسطينية، من أجل تزويد الفلسطينيين بالشعور بالأمان في المدينة والمساعدة في تحقيق الاستقرار، ويراقب أعضاء البعثة شوارع مدينة الخليل سبعة أيام في الأسبوع على مدار العام، من أجل مراقبة الاتفاقيات الموقعة حول مدينة الخليل، وتكتب التقارير حول الخروقات فيها وخروقات القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وتشارك البعثة التقارير مع الدول الست المشاركة في البعثة وحكومة الاحتلال والسلطة الفلسطينية.
ورغم تغول الاحتلال ومستوطنيه على مدينة الخليل على مدار اثني عشر عاما، ومنع الحريات الدينية، ومنع الأذان والصلاة في الحرم الإبراهيمي الشريف، والمداهمات والقتل المتعمد للفلسطينيين، وسياسة هدم المنازل، وتكالب قطعان المستوطنين، وحرق المنازل والمؤسسات الوطنية، وقطع الطرق، ورغم توثيق هذه الخروقات من البعثة فإنه لم يصدر قرار إدانة واحد للاحتلال الصهيوني، وبقيت توثيقات البعثة حبيسة الأدراج المغلقة، ولم تحدث أي تغير على سياسة القمع الاحتلالية، وانحصر دورها في فعاليات علاقات عامة، وتسويق للدول المانحة ومشاريعها التنموية، والعمل على تسويق ثقافة التطبيع وإمكانية التعايش بين الاحتلال والفلسطينيين.
إن عدم موافقة نتنياهو على تجديد مهمات البعثة قد تكون غايته الرئيسة التراجع عن الاتفاقيات الموقعة حول الخليل، وإعادة احتلال المدينة، وتهجير سكانها، وإغلاق مصانعها التي تنافس مصانع الاحتلال، أو يكون خطوة أخرى استباقية للضم غير القانوني للضفة المحتلة، وترسيخ المشروع الاستعماري تجاه فرض مشروع (إسرائيل الكبرى) على أرض فلسطين التاريخية في احتقار واضح للأمم المتحدة وقراراتها والنظام الدولي وقوانينه وقيمه، وقد يكون جزءا من تطبيق ما تسمى بصفقة القرن عن طريق توسيع نطاق عمل البعثة ونشر قوات حماية دولية لتشمل مساحات أكبر في الضفة والقدس المحتلتين.
وأخيرا قد تكون هذه القرارات زوبعة في فنجان تصب في رصيد الدعاية الانتخابية لنتنياهو الذي حاول خلال الفترة الأخيرة اللعب بكل الأوراق وطرح الكثير من القضايا، كبالونات اختبار لمعرفة الوتر الحساس للناخب الإسرائيلي لاستغلاله في زيادة عدد الأصوات المؤيدة له، خاصة بعد أن أفشلت غزة ورقة التلويح بالمنحة القطرية وأفشل لبنان ورقة الأمن والأنفاق اللبنانية.