- مقاومة غزة "أسطورة" ستكتبها الأجيال والقضية الفلسطينية "غير قابلة للموت"
- حصار غزة تجاوز حدود المنطق و(إسرائيل) خرقت القانون الدولي وقوانين الحرب
- شخصيًّا مجند للقضية الفلسطينية وأعدها قضيتي الأساسية وأملي زيارة غزة
- الجامعة العربية شكلية و"إكرام الميت دفنه" والمنظمات الأخرى "نوادي حكومات"
- لو صرح أي زعيم عربي بإمكانية التخلي عن القدس ستكون أيامه معدودة
- النظام العربي اختفى وانهار.. 4 دول محتلة والباقية تحت الوصاية
- "تشاد" كانت ترغب بدخول الجامعة العربية لكنها قوبلت بالتجاهل
وصف الرئيس التونسي السابق محمد المنصف المرزوقي المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بـ"الأسطورية"، التي ستكتبها الأجيال القادمة، و"العمود الفقري" للقضية الفلسطينية الذي لن يُكسر، عادًّا أن الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ 12 عامًا تجاوز حدود المنطق، وأن (إسرائيل) خرقت القانون الدولي وقوانين الحرب في حصارها، كاشفًا أن دولة "تشاد" التي يحاول الاحتلال مد جسور التطبيع معها كانت ترغب بدخول الجامعة العربية و"كنت من الذين دافعوا عن قرار دخولها" لكنها قوبلت بالتجاهل.
وقال المرزوقي في حوار خاص بصحيفة "فلسطين": "كطبيب أتألم للوضع الإنساني بالمستشفيات في غزة نتيجة أزمة الوقود، وهذا غير مقبول. شخصيًّا أنا مجند للقضية الفلسطينية، وأعدها قضيتي الأساسية، وأملي زيارة غزة وتقبيل ثراها".
وأضاف أن لدى الفلسطينيين قدرة كبيرة على المقاومة منذ قرن، إذ لم تستطع أي قوة تصفية قضيتهم، وأن عجز المنظومة "الصهيونية" عن تمييع القضية الفلسطينية منذ قرن دليل أنها "غير قابلة للموت"، مشيرًا إلى أن 90% من دول العالم لا تعترف بالقدس عاصمة للاحتلال "وهذا أمر مهم".
ولفت إلى أن النظام العربي اختفى وانهار، وأن هناك أربع دول تحت الاحتلال، والباقي تحت الوصاية، لذلك "سنعود إلى ما قبل الخمسينيات للحرب من أجل استعادة السيادة الوطنية للشعوب".
وعن التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، قال المرزوقي: "اليوم نرى عمليات تدمير ممنهجة لإرادة الشعوب عبر كل المؤامرات التي حيكت ضد الربيع العربي، فثورات الشعوب أُخمدت بالقمع والمال والإعلام الفاسد. كل هذا ضرب الشعوب العربية نصيرة الشعب الفلسطيني".
لكنه أكد أن القضية الفلسطينية مرتبطة بوعي الشعوب العربية وثوراتها وعودة الربيع العربي، وأنه في الوقت الحاضر تستفرد "الذئاب" بالقضية الفلسطينية لكي تنهيها، معتقدًا أن الشعوب ما زالت لديها القدرة على إعادة تكوين نفسها وستعود إلى الساحة.
مسيرة العودة
وعدّ مقاومة غزة "أسطورة ستكتبها الأجيال القادمة"، "لكنني أتألم عندما أسمع أن المستشفيات يمكن أن تغلق أبوابها نتيجة أزمة الوقود، وهنا يجب أن نتوجه للضمير العالمي والأطباء بأن الأمر غير مقبول".
وبشأن مسيرات العودة وكسر الحصار المنطلقة منذ 30 مارس/ آذار المنصرم قرب السياج الفاصل مع الاحتلال شرق قطاع غزة، لفت المرزوقي إلى أنه منذ يومين صدر مقال في الصحيفة الأمريكية المشهورة "نيويورك تايمز" تقول كاتبته: "آن الأوان كي نتكلم عن آلام الفلسطينيين"، مردفا أن هذه الآلام قالوا عنها سابقًا إنها معادية للسامية، لكن الآن هناك وعي عالمي بدأ يتشكل بفعل هذه المسيرة التي يدعمها الجميع، فالإرادة الإنسانية التي جسدتها المقاومة في غزة لن تُكسر، وفي نهاية المطاف ستُؤتي أكلها عاجلًا أم آجلًا.
ويقيم الرئيس التونسي السابق تجربة أساطيل الحرية لكسر حصار غزة، بوصفها بـ"التجربة الرائعة" التي كان المشاركون العرب والمسلمون فيها أقلية، حيث أغلبهم كانوا من جنسيات أوروبية وأمريكية، وهذا دليل على أن القضيةالفلسطينية أصبحت إنسانية وعالمية "ولا بد أن تتواصل هذه الأساطيل، وأتمنى أن تكون هناك محاولات أخرى هذا الصيف".
وشدد على ضرورة استنفار كل القوى المحبة للسلام، خاصة في مجال الصحة وحقوق الإنسان.
وحول واقع المنظمات العربية، وصف المرزوقي الجامعة العربية بـ"الشكلية"، مردفًا: "إكرام الميت دفنه، فالأمل لا يأتي إلا من الشعوب والمواطنين، ومن الحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية، أما المؤسسات العربية فهي نوادي حكومات وأنظمة، وأكثرها أنظمة فاسدة لا يمكن التعويل عليها".
إلا أنه ذكر أن إعادة الدور للمنظمات العربية يمكن عندما تصبح كل الدول العربية محكومة من الشعوب وليس العكس، مؤكدًا وجوب تحرير الشعوب قبل بناء المؤسسات.
صراع الرواية
كيف يراقب "المرزوقي" المعركة الإسرائيلية الفلسطينية والرواية في الغرب؟ أجاب أن "هذا صراع للوبيات الصهيونية اليد العليا فيه، لكن مهمتنا إقناع الناس بأن السلام لا يكون استسلامًا، وأن هناك حقوقًا للشعب الفلسطيني، فهي معركة فكرية إنسانية إعلامية".
وأضاف أن عجز المنظومة الصهيونية عن تمييع القضية الفلسطينية منذ قرن دليل أنها قضية غير قابلة للموت و"بالتالي المسألة مسألة وقت، نواصل النضال لأجلها جيلًا بعد جيل".
وبشأن فشل المشروع الأمريكي في إدانة المقاومة الفلسطينية في الأمم المتحدة، قال المرزوقي إن آثار القضية الفلسطينية أكثر مما نتصور لدى شعوب العالم حاليا، "لقد عشت في فترة الستينيات والسبعينيات عندما كانت هذه القضية لا تثير إلا بعض الحركات اليسارية، لكن اليوم هناك تفهم كبير لمعاناة الشعب الفلسطيني، وتحول جدي في الوعي العالمي، وحتى في الوعي الأمريكي بأن دعم القضية ليست له علاقة بمعاداة السامية. أرى تطورا بطيئا صعبا ثمنه باهظ، لكن هذا قدر الفلسطينيين".
وعن مستويات التحرك العربي المطلوبة لتغيير شكل التضامن مع القضية الفلسطينية، ذكر المرزوقي أن للقضية الفلسطينية أصدقاء حقيقيين معروفين كتركيا وقطر وبعض الدول الإفريقية، تدافع عن مصالح وطنية وليست رهن القرار الأمريكي والإسرائيلي.
وأشار إلى أن الأساس تواصل المقاومة مع الشعوب والمجتمع المدني والغربي، وحتى داخل (إسرائيل)؛ للانتصار لقضايا الشعب الفلسطيني، وبعض الدول الصديقة.
وبشأن قضية القدس بعد الاعتراف الأمريكي بها عاصمةً للاحتلال، لفت إلى أن أربعَ دول أو خَمسًا اعترفت بالقدس عاصمة للاحتلال، وأن 90% من دول العالم لا يعترفون بذلك "وهذا أمر مهم"، مؤكدًا أنه بقدر ما نتمسك جميعًا بالقدس فكل تلك المخططات ستفشل.
وأضاف: "هم يريدون حلًّا، ويعرفون أنه لا يمكن أن يكون هناك حل دون أن تكون "القدس الشرقية" عاصمة لدولة فلسطين، وهم في الوقت الحاضر يسيرون في معركة سيخسرونها في النهاية".
وتابع: "لا أتصور أن يكون هناك أدنى حل دون أن يكون للفلسطينيين عاصمتهم، والمهم الصمود الفلسطيني وعدم التخلي عن موقفهم، ولا أتصور أن أي إنسان عاقل بالعالم العربي والإسلامي يمكن أن يتخلى عن القدس".
ولفت إلى أن الدعم العربي نوعان، الأول دعم الشعوب وهو مطلق كامل، والثاني دعم الدول التي تعمل على التطبيع مع الاحتلال، موضحا أنه رغم ذلك ستتوقف الدول الأخيرة عند خط القدس الأحمر "فلو صرح أي زعيم عربي حتى من غلاة التطبيع أنه يمكن التخلي عن القدس ستكون أيامه معدودة".
مشاريع التسوية
وحول واقع النظام العربي في ظل الصراعات الدائرة في المنطقة، قال: "إن النظام العربي اختفى، وبعض الدول العربية تحت احتلال مباشر وغير مباشر، وإن منظومة الدفاع العربية انهارت، وأصبح وجودها مرتهنا بالقرار الخارجي، حيث لا يمكن التحدث عن موقف عربي".
وأضاف المرزوقي أن "العرب الآن بعد قرن فقدوا الاستقلال المزعوم الذي تمتعوا به، والآن أغلب الدول تحت الوصاية"، مؤكدًا أن المعركة بالنسبة للشعوب العربية معركة الاستقلال وإعادة السيادة، "فالشعب السوري يريد أن يعود شعبا مستقلا، وكذلك العراقي واللبناني والليبي، كلها دول سقطت تحت الحماية والوصاية الخارجية، هذا شيء ليس واضحًا للعيان، وقادة تلك الدولة يتصرفون كأنها دول مستقلة يمكن أن يكون لها قرار أو سيادة أو شيء".
وذكر أن "صفقة القرن" هي آخر مشاريع التصفية، واصفًا إياها بـ"تصفية القرن"، مضيفًا: "هم يحلمون بالتصفية، فكل رئيس أمريكي يأتي يتصور أنه سيأتي بالحل".
وتابع أن "مفهوم الصفقة أن يتم التفاهم على شيء، لكن أن تأتي بإملاءات يرفضها الفلسطينيون فمن سيبرمها؟ وإلا ستكون شكلًا آخر من أشكال الاحتلال والغصب، هم يحلمون ويخططون لأنفسهم ولا أعتقد أن يتم شيء من هذا".
هرولة التطبيع
وبخصوص التطبيع العربي مع الاحتلال، قال المرزوقي: "عندما تكون أنت في مواجهة وبحالة ضعف وينهار بيتك، فمن الطبيعي أن يتسلل العدو من كل المنافذ، فبعد إفشال الثورات العربية التي كانت الأمل في إعادة بناء هيكل عربي متحد وازن يمكن أن يملي إرادته ويدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، فبطبيعة الحال تخاف كثير من الأنظمة على نظامها ووجودها وتعرف أن الوجوديبنى على العمالة بالخارج، وهذه أكبر خطيئة يرتكبها هؤلاء".
وأضاف أن الخيار الأسلم أن تستمد شرعيتك من الشعب، وليس من إملاءات خارجية، مشيرا إلى أننا "أمام نظام عربي دُمر، وأمام دويلات تعرف أن مصيرها مرتبط بالنظام الخارجي، هذه الدول وضعت نفسها تحت هذه الحماية، وقبلت أن يكون التطبيع ثمنا لهذه الحماية، فهي قضية وجود وخوف من تجدد ثورات الربيع العربي، ولا يمكن أن يوجدوا إلا تحت الحماية الأجنبية التي تتطلب التطبيع ثمنًا لوجودهم".
إلا أنه ذكر أن ذلك "لن يؤدي إلى تحقيق شيء"؛ لأن الشعوب والقوى العربية ترفض التطبيع، مبينًا أن التطبيع سيضعف الأنظمة ولن يقويها، "فخيار تلك الأنظمة بالتطبيع خطأ أخلاقي وسياسي وستدفع ثمنه".
وبشأن قراءته الواقع الجديد في ظل التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا، كشف المرزوقي أن دولة تشاد كانت ترغب في وقت من الأوقات بدخول الجامعة العربية، مبينًا: "كنت من الذين قرروا الدفاع عن دخولها الجامعة، لكن عندما تشاهد وضع الترهل وحالة الانهيار في المنظومة العربية فإنها ستبحث عن مصالحها، ومصلحتها اليوم بالتعامل مع الطرف الأقوى وهو الإسرائيلي".
واستدرك: لو كانت هناك قوى عربية حاضنة وأخوية وتلعب مع تشاد دور الأخ الذي يساعد أخاه في النهوض، لكانت الأمة العربية أول أمة تلعب دورًا مهمًّا في إفريقيا، لكن ضعفها وانهيار دولها كلها لا يجعل لدى الأفارقة الاستعداد الكافي للتعامل مع العرب، و(إسرائيل) تستغل هذه الفرصة، وهذا من قواعد اللعبة للوصول إلى كل مكان يمكن أن يحتله؛ للعب دور واستغلال كل فرصة في طرد كل ما هو عربي من تلك المنطقة.