لم يعد نتنياهو متحمساً لفكرة صفقة القرن، ولا يريدها بعد أن حصل على مقدماتها، وهي تكفيه لهذه المرحلة، وتمت باعتبارها مكافأة سياسية كبيرة له شخصياً ولمشروع المستعمرة الإسرائيلية التوسعي برمته، من صاحبها الرئيس الأميركي ترامب، ونائبه بنس وفريقه الصهيوني الثلاثي المستشار كوشنير والمبعوث جرينبلات والسفير فريدمان، الذين عملوا على وضع أسس الصفقة ومضامينها، وعملوا على تأجيل الإعلان عنها أكثر من مرة بناء على طلب نتنياهو وإلحاحه، لأنه أخذ منها ما يريد، ويعمل على شرعنتها ودلالة ذلك سفرياته إلى دول بعينها لدفعها وتشجيعها على ترحيل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وتقليص الدعم المالي للأونروا .
نتنياهو حصل على حد وصف المراقبين على أهم هدف سياسي وهو الاعتراف بالقدس عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية، ونقل السفارة الأميركية لها، وتشريع المستوطنات، وإقفال مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وحجب المساعدات الأميركية عن الأونروا ومحاولة شطبها، ووقف الالتزامات الأميركية عن السلطة الفلسطينية باستثناء الاجهزة الأمنية، الأمر الذي دفع منظمة التحرير، مرغمة على رفض الصفقة ومقدماتها لأنها لا تستجيب لحقوق الشعب الفلسطيني وتتعارض مع قرارات الأمم المتحدة، ولذلك رفضت الصفقة ومقدماتها، ورفضت استقبال ممثليها الثلاثي : كوشنير وجرينبلات وفريدمان، وإن بقيت حائرة حول الخطوات الملائمة اللاحقة التي يجب اتخاذها، وأسيرة للواقع المذل الذي حفره لها الاحتلال من طرف والانقسام من طرف آخر، وبات كلاهما أسيراً لحالة فلسطينية قديمة أدت إلى ضياع فلسطين في المنتصف الأول للقرن السابق، وهو الصراع بين عائلتي الحسيني والنشاشيبي، وهو ما يتجدد اليوم بالصراع المناكف بين فتح وحماس، وبات الشعب الفلسطيني أسيراً لمصالحهما الحزبية الشخصية الأنانية الضيقة، ورؤيتهما التي لا تتسع لمشاهدة الواقع والعمل على تغييره بل كلاهما يعمل على تكييفه بدون أن يمتلك أحدهما شجاعة التجاوز الأحادي والإقدام على خطوات الشراكة، حركة فتح تستأثر بالشرعية، والسيطرة المنفردة على مقدرات ومؤسسات منظمة التحرير وسلطتها الوطنية، وحركة حماس تستأثر بالهيمنة والتسلط على قطاع غزة، وكلا الفريقين باتا أسرى للتنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب، وكلاهما أسير للشنطة الشهرية : الأجهزة الأمنية تتلقى نصيبها « كاش « بالدولار شهرياً من الولايات المتحدة، وحماس باتت أيضاً تتلقى نصيبها « كاش « خمسة عشر مليون دولار شهرياً بالشنط عبر تل أبيب، فقط يمكن اختصار ذلك على القول تل أبيب وواشنطن هُبل، أما فتح وحماس فهما الأذكى الذين يضحكون على تل أبيب وواشنطن ويأخذون فلوسهم حلالاً مقابل البيانات الثورجية، ألا نسمع حكي وطق الحكي من هذا القبيل؟.