كشاهد حي على اقتحامات كثيرة في السجون الإسرائيلية أُدلي بشهادتي هذه:
دون أي سابق إنذار فقط لمجرد عربدة أو تدريب على الجريمة أو سادية غير مبررة أو دعاية انتخابية لمرجلة زائفة في ميادين السجون بعد فقدانها من ميادين المواجهة الحقيقية شمالا وجنوبا كما هو واقع الحال في اقتحام عوفر هذه الأيام، خاصة بعد القرارات العدوانية للجنة الكنيست، يفاجأ المعتقلون ببوابة القسم تفتح فيتدفق منها عشّ دبابير ضخم، عدد هائل من الجنود المدجّجين بأدوات القمع: "العصي الكهربائية التي تضرب فتشعل تيارا كهربائيا صاعقا في جسم المضروب، جرار الغاز التي تضرب مدافعها بغاز البودرة الذي يسد أفق الزنزانة ليحيلها إلى سحابة قاتمة لا تبقي أحدا قائما على قدميه، الدروع والأجساد المصفحة التي تدخل بكل ما أوتي لها من قوة ووحشية، دبابير مفترسة تملأ فراغات السجن الضيقة ومستعدة لضرباتها اللاسعة وويلاتها المرعبة. وقد زادوا هذه المرة الرصاص المطاطي الحي وإخراج صور القمع والهجوم الكاسح على السجن لإشباع شهية الجمهور المتعطش لآلام الفلسطيني متخذا اياها وقودا للانتخابات القادمة.
أما أدوات الدفاع للجيش المقابل، فهي: مخصصه الأسبوعي من قطع الصابون ومعاجين الأسنان ومناشف وبشاقير تستخدم كغطاء للوجه والعينين والأنف علّها تخفف قليلا من لسعات الغاز القاتلة وهناك قاذفات عبارة عن حناجر ملتهبة تطلق قذائف الله أكبر، إذ تنطلق التكبيرات بشكل لا إرادي معربة عن قوة الروح التي تواجه هذا الغزو المغولي النازي المرعب. وأمثلة القمع الإرهابي المرعب كثيرة منها عندما انفلتت هذه الدبابير في سجن النقب عام 2006 وقتلت الشهيد محمد الأشقر وخلفت عشرات الإصابات وفتحت أخدودا من الآلام القاسية، ومن قبل في السبع ونفحة وعسقلان وآلاف الاقتحامات الدامية.
ولا حدود لدرجة القمع المطلوبة، إذ هم على استعداد للقتل والتكسير والتدمير الشامل لمحتويات الغرف، والهدف واضح: هو فرض سيطرة الرعب وهيمنة الردع ليتحول المعتقل إلى كومة من الأجساد البشرية التي ليس لها إلا أن تستقبل هذه الغطرسة بكل أريحية وخور واستسلام، والمعادلة أن على الدبور أن يلسع وعلى المتلقي أن يستوعب ويطأطئ رأسه ذليلا خاضعا مستوعبا للألم والذلة والمسكنة.
أي رجولة أو فروسية أو أخلاق بشرية تتيح لهم أن يطئوا ببساطيرهم أجساد معتقلين مكبلة من الأيدي والأرجل وقد أنهك صدورهم الغاز وأغمي عليهم، أية روح إنسانية أو حيوانية تجعل من ضابط برتبة عالية يمسك قلمًا ويخرق به عيون أسير مكبل ومغمى عليه بعد عدة وجبات من ضرب الدبابير المتوحشة (وعلى هذا شهود عيان).
ولأن أسرانا لا يذلون لأحد ولأنهم أسرى حرية وقضية ووطن ولأن معادلتهم مع هذه الدبابير المتوحشة: "نموت واقفين ولن نركع" ولأنهم يدركون تماما من خلال تجربتهم القاسية مع هذا العدو أن ثمن الركوع أضعاف ثمن البقاء واقفين شامخين، فإنهم يصرون على البقاء واقفين مهما كلفتهم من تضحيات، يقاومون هذه الغطرسة ولو بصيحات الله أكبر ويصرون على عدم التراجع عن كرامتهم قيد أنملة. تصبح المعادلة الألم وتحمل لسع الدبابير المتوحشة مقابل بقاء حالة الاستنفار في السجن ومنع إدارة السجن بضباطها وجنودها من الإجازات لفترة طويلة تمتد طالما أن خراطيم الغاز مشرعة والعصي الكهربائية مشهرة.
أسرانا يتحملون كل جبال الآلام هذه، يألمون كثيرا والسجان لا يتحمل ألم حرمانه من إجازة وبقاء يده على زناد مدفع الغاز لفترة طويلة. ستبقى جدران السجن شاهدة على هذا الاجرام وستبقى جرائمهم لعنة تطاردهم، لن يموت الشهداء وستبقى أرواحهم ترفرف في حياتنا وأمانة في أعناقنا، الأسرى أيها الدبابير المتوحشة ليسوا وحدهم في الميدان، ميداننا معكم ممتد طويل زمانا ومكانا، السجون هي الحلقة الأصغر بمكانها ولكنها كبيرة كبيرة بمعانيها ومآلاتها، سترتد سهاما حارقة تطارد أرواحكم الشريرة، لن تدعكم حتى تنتقم لآخر دمعة أم أو ألم أسير.. ميداننا مفتوح والظلم أبدا لا يدوم.