لا يكاد يمر يوم في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948م دون حوادث قتل أو إطلاق نار أو اعتداء على أشخاص أو ممتلكات، في مشهد بات يتكرر في مختلف المدن والقرى الفلسطينية هناك.
ولا تلوح في الأفق بارقة أمل بتوقف هذه الحالة في ظل تقاعس شرطة الاحتلال عن القيام بواجباتها وجمع سلاح الجريمة وملاحقة المجرمين، مما يشير إلى رغبة مؤسسة الاحتلال في إبقاء هذه الحالة بهدف إشغال المجتمع الفلسطيني في الداخل في مشاكله الداخلية، وإبقائه بعيدا عن القضايا الوطنية الكبرى التي تنتظر الشعب الفلسطيني.
وحسب مصادر فلسطينية في الداخل المحتل، قُتل 76 مواطنًا فلسطينيًا في جرائم قتل مختلفة في العام الماضي 2018، والذي طوى ساعاته الأخيرة بجريمة قتل المواطن حسام مغربي (47 عامًا) من مدينة شفا عمرو قضاء حيفا المحتلة.
مرحلة حساسة
ويقول مدير المركز العربي لمكافحة العنف في الداخل الفلسطيني كامل ريان: إن المجتمع الفلسطيني في الداخل يمر بمرحلة حساسة جدًا، مرحلة تستوجب استنهاض الجميع بعد أن بات واضحًا أن حكومة الاحتلال أصبحت واضحة تمام الوضوح بأنه لا يعنيها أي شيء من حياة فلسطينيي الداخل.
وأضاف ريان لصحيفة "فلسطين"، أن تصاعد أرقام ضحايا العنف في الداخل الفلسطيني مؤشر خطير لكل فلسطيني أينما كان في الداخل أو في الخارج، ويجب وضعها على رأس جدول العمل الوطني الفلسطيني.
وأشار إلى أن الفلسطينيين في الداخل يمرون بأخطر مرحلة، "وأنا اعتبرها بمثابة نكبة النكبات لفلسطينيي الداخل بشكل خاص وللفلسطينيين بشكل عام"، مضيفا أن النكبة الأولى استهدفت الأرض والوجود الفلسطيني على أرضه داخل فلسطين المحتلة عام 1948، لكن النكبة الجديدة أشد خطورة لأنها من صنع الفلسطيني نفسه، كما قال.
ونوه ريان إلى أنه منذ عام 2000 سقط أكثر من 1316 فلسطينيًا، ضحايا للعنف الداخلي في المجتمع الفلسطيني في الداخل، بمعنى أن قرية كاملة أبيدت داخل المجتمع الفلسطيني بينما أصيب أكثر من 6000 فلسطيني، ونتج عن ذلك أكثر من 3500 يتيم.
وشدد الناشط الفلسطيني على أنه لا يوجد في الأفق أي حل لهذه الأزمة ولم يعد هناك رادع للمسؤولين عن تفشي ظاهرة العنف الداخلي في أوساط المجتمع الفلسطيني في الداخل، وباتوا يسيطرون على تفاصيل الحياة.
واتهم ريان "أصابع خفية" تلعب في مقدرات فلسطينيي الداخل، محذرًا من أن استمرار هذه الحالة قد تؤدي إلى احتراب داخلي.
وحمل حكومة الاحتلال الإسرائيلية المسؤولية عن ذلك "التي لا تقوم بواجباتها تجاه جمع السلاح الذي دخل إلى المجتمع الفلسطيني في الداخل بكميات كبيرة، مقدرا وجود نحو 400 ألف قطعة سلاح.
وتحدث عن وجود عصابات إجرام منظمة تكرست من خلال عصابات الإجرام الإسرائيلية، وفي الوقت الذي عملت فيه حكومة الاحتلال على مواجهة عصابات الإجرام اليهودية، غضت الطرف عن العصابات العربية وتركتها تعيث فسادا، وتقوم بتقتيل الناس والاعتداء عليهم.
دعم إسرائيلي
ويقول رئيس لجنة مكافحة العنف، المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، طلب الصانع: إن هذه الظاهرة تستشري بصمت أو بتشجيع من حكومة الاحتلال وأذرعها المختلفة.
ويشير الصانع لـ"فلسطين"، إلى أن سلطات الاحتلال تسعى لإشغال الفلسطينيين بالمشاكل الاجتماعية خاصة بعد الهبة الشعبية في تشرين أول/ أكتوبر عام 2000، لإبعادهم عن القضايا الوطنية.
وشدد على أن شرطة الاحتلال لا تحارب ظاهرة العنف في الوسط العربي، بل إنها وبطريقة أخرى، تشجع القتل وأعمال العنف هناك.
لكنه وإن اتهم شرطة الاحتلال بالتقصير "فلا يعني أن نخلي المسؤولية عن مجتمعنا، حيث بات من الواضح أنّ الشرطة ليست مقصرة فقط إنما تعزز وترسخ الجريمة لأهداف سلطوية مما ينبغي أن نقوم نحن الفلسطينيين في الداخل، بحل المشكلة والتصدي للعنف، الذي بات يطال الجميع".
وأشار إلى أنّ شرطة الاحتلال تدعي غياب الأدوات والميزانيات اللازمة للتحقيق، معللة أنّ معظم الميزانيات تخصص لجهاز الأمن العام "الشاباك"، الذي يتعامل مع ما يسميها "جرائم قوميّة" فقط وليس جنائية، في إشارة إلى عمليات المقاومة التي تستهدف الاحتلال ووجوده على الأرض الفلسطينية.
وعدّد الصانع عددًا من البرامج التي تبنتها اللجنة العليا لمناهضة العنف في الداخل الفلسطيني، مشيرًا إلى إقامة لجان إفشاء السلام والتثقيف في المدارس وإقصاء عصابات الإجرام من الحيّز العام، واتخاذ خطوات عقابية كالحرمان لكل من يستخدم السلاح، في الأعراس أو أي مكان آخر.