الدعم الدولي فشل في تحويل (إسرائيل) إلى عضو طبيعي في المنطقة
الهدف الحقيقي لحملة المقاطعة هو نزع الشرعية عن الاحتلال
الاحتلال يقاتل رغبات وقناعات ملايين البشر وسيُمنى بالهزيمة
الهدف من مساعي التطبيع هو الشعوب العربية والإسلامية، يحذر من ذلك رئيس مجلس العلاقات الدولية د. باسم نعيم، لكنه يؤكد أنها لن تقبل بذلك، متهمًا في الوقت نفسه السلطة في رام الله بممارسة "أسوأ أنواعه"، في حين يبين أن هناك محاولة لاستخدام مؤتمر مقرر عقده في العاصمة البولندية وارسو، كغطاء لتعزيز التطبيع.
حاورت صحيفة "فلسطين"، نعيم، رئيس حملة المقاطعة -فلسطين، الذي يوضح أن الهدف الحقيقي لهذه الحملة هو نزع الشرعية عن الاحتلال الإسرائيلي، منبهًا إلى أن الأخير لن يستطيع تحقيق النصر النهائي في هذه المعركة؛ لأنه يقاتل قناعات ورغبات ملايين البشر.
ويقول نعيم: كل العلاقات بين (إسرائيل) وأنظمة عربية سواء أكانت سرًّا أو علنًا لم تسعف الأولى في أن تصبح "عضوًا طبيعيًّا" في المنطقة، كما أن كل الدعم الدولي وعدها "شريكًا مميزًا" في الاتحاد الأوروبي أو حليفًا إستراتيجيًّا للولايات المتحدة لم ينجح في ذلك.
ويضيف أن ذلك هو منطلق أنشطة التطبيع غير السياسية والأمنية؛ لأن المستهدف منه هو الشعوب.
ويفسر بأن (إسرائيل) تريد تحطيم كل الحواجز التي تمتلكها الشعوب ضدها، مشيرًا إلى أن تنظيم أنشطة رياضية وثقافية وفنية تطبيعية يرمي إلى محاولة إعادة "صياغة العقل العربي والإسلامي بطريقة جديدة يتحول فيها العدو إلى صديق"، لكنه أكد أن الشعوب لن تقبل بذلك.
سببان رئيسان يبين نعيم أنهما سيُفشِلان مساعي التطبيع، أولهما أن العداء للاحتلال الإسرائيلي جزء من عقيدة الشعوب العربية والإسلامية، ولا يستطيع حاكم أو غيره أن يغيرها، والآخر أن قضية فلسطين والقدس لا تخص الفلسطينيين فقط وإنما مليار و700 مليون مسلم وحوالي 400 مليون عربي، وهي قضية فلسطينية وعربية وإسلامية وإنسانية.
وينبه نعيم إلى أن الشعوب لن تتقبل (إسرائيل) التي هي عبارة عن جسم غريب، مردفًا: "نحن نراهن على أن الشعوب لن تسمح لهذا الكيان بأن يتمدد".
ويلفت نعيم إلى ضغط تمارسه أنظمة عربية وتزييف للوعي بمساعدة "بعض المأجورين والمرتزقة من الفنانين والكتاب الذين لا يمثلون الحالة العامة"، مؤكدًا وجوب بذل جهد من المعنيين بملف المقاطعة ومناهضة التطبيع لتعزيز الوعي وإبقاء الصورة واضحة.
"أسوأ الأنواع"
ويتهم نعيم السلطة في رام الله بممارسة "أسوأ أنواع التطبيع"، وأنه "أكبر عائق" أمام تحول حملة المقاطعة إلى مشروع وطني شامل تتبناه المؤسسة الرسمية والأهلية على مستوى المجتمع المدني، ليس فقط لأن "ضعاف النفوس" يستغلون سلوك السلطة، بل أيضًا لأنه يصعب مهمة مناهضة التطبيع حول العالم، عندما يتذرع هؤلاء به.
ويشير إلى أن السلطة تتفاخر بالتنسيق الأمني مع الاحتلال في الضفة الغربية، وتصفه بـ"المقدس".
ويؤكد نعيم أن أولى خطوات دعم ملف المقاطعة هو أن تتوقف السلطة عن "هذا التنسيق العار والسلوك المخزي".
ويذكر أن هناك محاولة لاستخدام مؤتمر منوي عقده الشهر المقبل في العاصمة البولندية وارسو، برعاية أمريكية وبمشاركة (إسرائيل)، كغطاء لتعزيز التطبيع.
ويضيف أن هناك محاولة لإعادة تعريف "الأصدقاء والحلفاء والأعداء في المنطقة"، بمعنى أن البعض بات يلتقي بـ(إسرائيل) "كصديق أو حليف أو شريك".
ويحذر نعيم من ذلك واصفًا إياه بأنه "خطير جدًّا"، موضحًا أن أعلى درجات التطبيع تتمثل في التقاء قيادات عربية بقيادات الاحتلال، إذ إنه "تطبيع رسمي وعمل بالمعنى الإستراتيجي".
وينبه إلى أن (إسرائيل) لم تعد تقبل بالحديث تحت الطاولة أو وراء الستار، بل تريد تطبيعًا واضحًا وصريحًا، وأنها تعد أنها حققت "أكثر من اختراق" لأكثر من دولة عربية وإسلامية، وذلك ضمن خطة ومنهجية تتحرك فيها بدعم وغطاء من الولايات المتحدة للضغط على أنظمة عربية، لافتًا في الوقت نفسه إلى أن الأخيرة ترى في ذلك بوابة لتلقي الدعم من واشنطن.
ويقول نعيم: إن التطبيع مع أنظمة عربية ليس جديدًا بل قديم منذ عشرات السنين، وهناك شواهد تاريخية على ذلك.
إلى أي مدى يتوافر الدعم لحركة المقاطعة عربيًّا ودوليًّا؟ يجيب عن ذلك بقوله: إن الشعوب بحكم انتمائها لقضية فلسطين والقدس لا تزال ترفض التعامل مع كيان الاحتلال، وإن كانت هناك ضغوطات لتغيير هذا المسار.
وعلى المستوى الرسمي كان هناك حراك قوي ومؤثر في عزل الاحتلال عبر مكتب جامعة الدول العربية لمقاطعة الأخير، أنشئ في الخمسينات من القرن الماضي، واستمر حتى بداية التسعينات، ومع توقيع اتفاق أوسلو سنة 1993 تلقى هذا الجهد الرسمي "ضربة كبيرة جدًّا"، إذ إن أصحاب الشأن الذين يفترض أنهم يدعون للمقاطعة وقعوا الاتفاق، وفق نعيم.
زخم كبير
لكنه يوضح أن بعض الدول لا تزال متمسكة بأدبيات المقاطعة كالجزائر ولبنان وبعض الدول العربية والإسلامية، معربا عن أمله في إعادة تفعيل مكاتب المقاطعة في الدول العربية.
ويشير إلى أن حملة المقاطعة الدولية كانت تواجه بدايةً صعوبات في الانتشار لكن شيئًا فشيئًا بدأت تكتسب زخمًا كبيرًا، وبعد 14 عامًا من إنشائها باتت الحملة ملء السمع والبصر، وتلتحق بها يوميًّا أجسام جديدة من النقابات والكنائس والشخصيات الاعتبارية كأعضاء البرلمانات والكونغرس الأمريكي وبعض الشركات الكبرى التي تسحب استثماراتها وبعض الفعاليات والحملات.
ويدلل نعيم على اكتساب حملة المقاطعة زخمًا متزايدًا، بأن الاحتلال شكل وزارة متخصصة بملاحقة الحملة وأنشطتها، ورصد ملايين الدولارات لذلك، وأنشأ مجموعة من اللجان كان آخرها واحدة مكونة من 150 محاميًا دوليًّا لملاحقة نشطاء المقاطعة قانونيًّا، وضغط على الدول لإصدار قوانين تجرم من يقاطع الاحتلال أو يدعو لمقاطعته في أوروبا وأمريكا، ما يعكس إدراك الاحتلال لخطورة هذه الحملة الدولية عليه.
ورغم هذه الخطوات الاحتلالية لمحاربة حملة المقاطعة، فإن (إسرائيل) فشلت وستفشل، فهي تدعي أنها "دولة إقليمية كبرى" وتدعمها الولايات المتحدة، وتحتضنها دول أوروبية كبيرة، وفي الوقت نفسه تلاحق فتاة ناشطة لمجرد أنها تقول: إنها لا تريد أن تشتري سلع الاحتلال، ما يعكس حجم التخوف والضعف الوجودي الذي تعيشه دولة الاحتلال، بحسب نعيم.
وكانت حكومة الاحتلال أصدرت تقريرًا، أظهر احتمال تكبد (إسرائيل) نحو 11.5 مليار دولار سنويًّا من جراء حركة المقاطعة العالمية "بي.دي.أس".
ويدعي الاحتلال تمكنه في الضغط على أكثر من 24 ولاية أميركية لمعاقبة مؤيدي حركة المقاطعة، ومنع 20 جماعة ناشطة من دخول فلسطين المحتلة سنة 1948.
لكن نعيم يقول: إن الاحتلال تلقى ضربة قاصمة لخطواته، إذ إن الكونغرس الأميركي رفض إصدار قانون يجبر الولايات الأمريكية على تجريم المقاطعة، ما يمثل هزيمة مدوية لـ(إسرائيل) واللوبي الخاص بها هناك، مضيفًا أن أعضاء في الكونغرس يجاهرون بدعمهم للحق الفلسطيني وحركة المقاطعة.
عزل الاحتلال
وعن إستراتيجية حملة المقاطعة، يقول نعيم: إنها سلمية تدعو بشكل فردي وجماعي إلى عزل الاحتلال ومقاطعته ومعاقبته على جرائمه وأكبرها جريمة احتلال الأراضي الفلسطينية، والعنصرية التي يمارسها ضد الشعب الفلسطيني.
ويصف هذه الحملة بأنها إحدى أدوات النضال، وهي فكرة اتبعها كثير من الشعوب تاريخيًّا في الهند والولايات المتحدة وجنوب إفريقيا، للتخلص من الاحتلال أو الاستبداد أو العنصرية.
ويوضح نعيم أن حملة مقاطعة الاحتلال تستند إلى أن (إسرائيل) كيان غريب مصطنع، وهي تحاول إخفاء جرائمها، وتسويق نفسها على أنها "مدنية متحضرة"، عبر استدعاء ممثلين وملكات جمال وسياسيين إلى فلسطين المحتلة سنة 1948، لعمل "غسل دماغ" لهم، لكن هذه صورة كاذبة، تحاول إخفاء سياسة القتل والعنصرية والوحشية وهدم البيوت والنظام الاحتلالي الفاشي العنصري متكامل الأركان، وهو ما تعمل حملة المقاطعة على فضحه.
وتقوم فكرة حملة المقاطعة في النهاية على هدف إنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجرتهم منها العصابات الصهيونية سنة 1948، وإنهاء العنصرية الاحتلالية، بحسب نعيم الذي يشير إلى دور وسائل الإعلام الجديد في ذلك.
ويتابع نعيم: "أعتقد أن الهدف الحقيقي لحملة المقاطعة هو نزع الشرعية عن الاحتلال".
ويشير إلى إنجازات تحققها حملة المقاطعة، تظهر بعض جوانبها في رفض رياضيين عرب الالتقاء بنظرائهم الإسرائيليين، مبينًا أن إنجازات الحملة تراكمية.
ويفيد رئيس حملة المقاطعة -فلسطين بأن الخطة التنفيذية لعام 2019، مطروح فيها مواجهة الهرولة نحو التطبيع، وتعزيز صمود الناس في وجهه، وفضح كل من يطبع أو يدعو إلى ذلك، مبينًا أن أنشطة وأدوات المقاطعة تختلف من منطقة لأخرى تبعًا لخصائصها.
ويذكر أن حملة المقاطعة -فلسطين وضعت خطة وجار العمل للتنسيق مع جهات مختلفة محلية ودولية، لافتًا إلى أن ورشة عمل ستنفذ مع فصائل العمل الوطني والإسلامي لبحث كيفية تحويل المقاطعة من نشاط نخبوي إلى جماهيري، وأن تصبح فكرتها ضمن أجندة أي فصيل، كما أن هناك تحركات مع المدارس والجامعات لصياغة مادة تثقيفية حول هذه الفكرة، وتواصل مع وسائل الإعلام لتكون عنصرًا أساسيًّا في كل دورة برامجية.
وفي مارس/آذار المقبل سينظم أسبوع مناهضة الفصل العنصري، فضلًا عن بحث تنظيم مؤتمر في نهاية 2019 حول المقاطعة وإنهاء التطبيع.