يطفو على السطح بين الفينة والأخرى الحديث عن مجموعة من المشاريع المطروحة دوليا وإقليميا لما يسمونه حلا للقضية الفلسطينية و إنهاء الصراع، فتارة حل الدولتين على حدود 1967م، وتارة حل الدولة الواحدة سواء ثنائية القومية أو ديمقراطية علمانية، ودولة فيدرالية أو كونفدرالية.
وهنا لا بد من القول إن كل هذه مجرد مشاريع لن يكتب لها النجاح، فالشعب الفلسطيني لن يقبل بأي مشروع ينتقص جزءا ولو يسيرا من حقوقه، كما أنه ينحاز دائما لصالح من يتشبث أكثر بهذه الحقوق، ولهذا نجد إجماعا على نصرة المقاومة من كل فئات الشعب، وإن أي فصيل سوف يحيد عن هذه القاعدة سينفض الشعب من حوله مهما بلغت قوته ونفوذه وشعبيته، فلا يجوز لأحد المراهنة على شعبيته عند اتخاذ أي قرار مصيري بحق القضية الفلسطينية، فلقد امتلكت حركة فتح منذ 1970_1993م تأييدا شعبيا وجماهيريا من الداخل والخارج ما يجعله يتشبث بالثوابت الوطنية ويفاوض الاحتلال من مصدر قوة، إلا أن حركة فتح وأمام الضغوط الدولية وسياسة تجفيف المنابع التي مورست عليها جعلتها تتنازل عن الكثير من الثوابت الوطنية تحت غطاء المرحلية والتأييد الشعبي والجماهيري، وقد أحدث ذلك تراجعا واضحا في شعبية الحركة والإيمان بالمنهج الذي سارت عليه، وقد بدا ذلك واضحا في هبة النفق سنة 1996م وتأييد الجماهير الفلسطينية لعمليات الثأر المقدس، ثم انتفاضة الأقصى وما بعدها.
أما أن تحاول قيادة السلطة الفلسطينية مواءمة مواقفها بما يتناسب مع القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية للخروج من الأزمة السياسية القائمة، سيكون الفشل نتيجة حتمية لأن القرارات الدولية كالرمال المتحركة مهما حاولوا الحذر في التعاطي معها سيجدون أنفسهم منزلقين نحو التنازل لأنها في الأصل مشاريع وضعت لخدمة قيام دولة للاحتلال، وأهم ما يراعى عند طرح أي مشروع هو مدى رضا الاحتلال وإمكانية تطبيقه بما يناسب توجهاته ومصالحه، فهي مشاريع تصفوية للقضية الفلسطينية بزي قانوني لأن المعايير الدولية والوضع القائم حسب ميزان القوة العالمي يميل لترجيح كفة مكاسب الاحتلال دائما، وهذا ما لم تأخذه قيادة حركة فتح بالحسبان فبعد أن تم تصفية كل القيادة الرافضة لأي تسوية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني سواء بأيدي الموساد أو الأنظمة العربية أو الحركة نفسها، تم تصعيد الشخصيات ذات التوجهات الناعمة المنسجمة مع المواقف الدولية، وكان بداية التنازل الحقيقي بالاعتراف بالاحتلال وبحدود الرابع من حزيران 1967م .
وأخيرا ما لم يتنازل عنه الاحتلال الاسرائيلي في 1947م في بداية إقامة الدولة؛ وهي المرحلة الأصعب في نشأة الدول لن يعطيك إياه على طبق من فضة بعد مرور أكثر من سبعين عاما على التأسيس وهي تملك المباركة العالمية، والترسانة العسكرية، ومن يعتقد بذلك فهو واهم مصر أن يلاحق سراب أحلامه.
برأيي يجب على حركة حماس اتخاذ خطوات تكتيكية كهدنة متوسطة المدى برعاية روسية ألمانية صينية، تهدف إلى كسر الحصار وترتيب الجبهة الداخلية وامتلاك أدوات القوة والعلاقات الدولية والإقليمية لأن كل ما يطرح من مشاريع لا يوازي تضحيات شعبنا على مدار أكثر من مائة عام من النضال.