من المتوقع لحظة خروج هذه السطور إلى النشر أن يغادر الجنرال غادي آيزنكوت مقر القيادة العامة للجيش الإسرائيلي بعد أربع سنوات قضاها رئيسا لهيئة أركانه، ليخلفه الجنرال أفيف كوخافي.
ولئن كانت الشهور الخمسون التي شغل فيها آيزنكوت موقعه العسكري الأرفع في إسرائيل، بوصفه الجندي الأول فيها، مزدحمة بكثير من الأعمال والمهام، فقد عرفت حقبته الزمنية جملة إنجازات وإخفاقات، جديرة بتسليط الضوء عليها، لاسيما على صعيد الساحة الفلسطينية.
يبدو مهماً تقرير حقيقة ابتدائية مفادها أن الإنجازات التي قام بها آيزنكوت داخل مقر قيادة الجيش ستشكل تحديات أمام كوخافي، صحيح أن آيزنكوت لم ينجح في جميع المهام التي تعهد القيام بها، لكنه يعتبر من أكثر الجنرالات الذين قادوا الجيش الإسرائيلي، وفي عهده لم تتورط إسرائيل في أي حرب قتالية، وفي حين ستشهد الساعات القادمة حفل التسليم والتسلم لاستبدال الجنرالين الإسرائيليين، حيث سينقل آيزنكوت القائد الحادي والعشرون للجيش مسئوليته للقائد الثاني والعشرين كوخافي، وكلاهما غير بريئين من أي أخطاء ونقاط ضعف.
يعتقد الإسرائيليون أن الإنجاز الأكبر لآيزنكوت أن حقبته التي امتدت أربع سنوات لم تتورط فيها إسرائيل بأي حرب، ولا حتى معركة عسكرية كبيرة، لاسيما في قطاع غزة، لكنه وبجانبه القيادة العسكرية استطاع إقناع القيادة السياسية بعدم الدخول في مواجهة عنيفة، أو حرب استنزاف غير مجدية، في نهايتها ستصل إسرائيل لذات النقطة التي تجد فيها نفسها اليوم، بدلا من سفك الدماء وإهدار المليارات بدون فائدة.
لقد عرف آيزنكوت كيفية إقناع وزراء الكابينت باقتصار سلوكه تجاه المنظمات الفلسطينية على ما وصفه بالمس الموضعي، بدلا من إقحام جنود الجيش في معركة خاسرة، يتخللها فقدان حياة العديد منهم، والتسبب بالإضرار الكبير في حياة المستوطنين وجميع سكان إسرائيل.
يعيد الإسرائيليون إلى آيزنكوت الفضل في أنه لم يحشر نفسه والدولة في زاوية الحرب، بل أمضى هذه السنوات الأربع وهو هادئ، يعمل بنظام المؤسسة، ولديه خطط معدة مسبقا، ويبتعد عن الأضواء، ولعل إحدى نقاط قوته الأساسية أنه ينهي ساعاته الأخيرة في قيادة الجيش، وقد خاض حروبا حقيقية، وفي الوقت ذاته عاد لبيته بسلام، عبر السياسة التي أسماها "المعركة بين الحروب"، التي اتبعها في السنوات الأخيرة.
لقد أمضى آيزنكوت السنوات الأخيرة في مواجهة التهديد الإيراني، ونجح بإقناع الكابينت المصغر بخوض المواجهة الأولى في تاريخ الجيش الإسرائيلي ضد الحرس الثوري الإيراني الذي اقترب من حدود إسرائيل في هضبة الجولان، وفي الوقت ذاته الحيلولة دون اندلاع حرب في غزة، لأن إسرائيل لا تملك إستراتيجية، وليس لديها هدف، ولا منظومة للخروج من هذه المواجهة التي منع انفجارها.