أنا أب وعندي أبناء البب جي، أرى أبنائي وقد ذابوا منذ زمن في عادات وقيم غريبة بعيدة كل البعد عن ثقافة بلدي، بعيدة كل البعد عن هموم قضيتنا، بعيدة كل البعد عن تماسك روحي يعبر عن شخصية مستقلة لها هدف واضح في الحياة، تعرف لماذا خلقت وما هو المطلوب منها وإلى أين هي ذاهبة؟ أصبحت قلوبها معلقة في الراوتر والثري جي، ينبض قلبها مع إشارة وجود النت، أول ما تنظر إليه عند فتح عينيه من نومه الثقيل هو اشارة النت، وأول ما ينبض قلبه في يومه الجديد هو على ما تنوي متابعته والاستمرار في طريق الأمس وما قبله، الهم الأوحد هو كيف أكون على جبهة الببجي وكيف أراكم نقاط متعتي وكيف التقط الجميل الممتع من اليوتيوب وما حوله.
أنظر بحسرة مؤلمة تقطع شرايين قلبي.. كيف نفقد أبناءنا فيتحولون بكل بساطة من أبنائنا الى أبناء هذا النت اللعين؟ كيف سلبهم منا ونحن مكتوفو الأيدي متفرجين؟ كيف نجحوا في إخراجهم من نور قضيتهم وثقافة بلدهم الى ظلمات قاسية تأكل الأخضر واليابس، فقط قدموا الممتع ولو كان مدمّرا على المفيد ولو كان بانيا ومطورا ونافعا.
ثم أنظر الى الروح العالية التي سكنت صدر عمر البرغوثي واذا بها تتحول الى أبنائه فيكون منهم شهيد وفدائي عنيد يواجه وحده دولة بكل قضّها وقضيضها، بكل فولاذها ونار أحقادها، يقف شامخا أسدا هصورا، عمر الآن لو كنت مكانه لشعرت بأني أسعد إنسان على هذه الأرض، كيف نجح في زراعة هذه الروح وكيف حصد كل هذا الحصاد؟ في حين يعجز كبار المربين هذه الأيام عن زراعة أقل الاهتمامات قدرا، عمر ينجح في زراعة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولم لم تمسسه نار في صدور أبنائه.
عمر الآن هو المنهج التربوي الناجح في زمن تفشل فيه المناهج، تبّا لمناهج تربوية تفشل في زراعة الانتماء لفلسطين وهو أبسط المطلوب منها، تفشل في زراعة قيم ومبادئ وأخلاق، يتسرب طلابنا منا وينهبهم النت من بين أيدينا ونحن نقف عاجزين مكتوفي الأيدي، بينما عمر ينجح بامتياز في زراعة فلسطين كل فلسطين في صدور أبنائه، ويزرع مبادئ الثورة والجهاد دون أن ينتقص منها ذرة من ذراتها، ويزرع القيم العالية ويصنع التوجهات النفسية النقية القوية ذات الطموح الكبير والهدف السامي والأمل العظيم.
بالفعل فما بين شفتي عاصم وهو مبتسم ترى نور القضية وإشراقة الروح وصفاء المعدن الذي صقل منه من يقف خلف هذه الابتسامة الهادئة الواثقة، ورغم ما يكتنز خلفها من روح ثائرة هادرة.
ليتني مثلك يا عمر في زرعك الذي زرعت وفي منهجك الذي بنيت عليه شخصيات أبنائك، قل لنا كيف نجحت كل هذا النجاح الباهر وحياتك تقطعت بها السبل بين الحرية والغياب خلف قضبانهم السوداء، هنا ندرك أنك قد تركت في بيتك مصنعا للأحرار، شاطرتك أم ولدك هذه الفلاحة المميزة فكانت من يكمل الطريق إذا غبت، عرفت سرّ منهجك فتابعت الطريق بكل دقة واحتراف.
أعتقد أنك الأسعد وأنت ترى نتاج زرعك وحصادك العظيم، أنت الأسعد وقد أثبتّ نجاح منهجك في الحياة.. منهجك الذي أنتج كل هذا الفلاح يجب أن يُدرس ويدرّس، وبالذات هذه الروح العالية كيف زرعتها في وقت روحنا تضيع وتذوب في ثنايا الوافد الغربي الهجين عبر وسائل النت التي تجري في بيوتنا ونفوس أبنائنا جريان الكهرباء، قصتك قصة نجاح وفلاح لمن أراد القضية وأراد فلسطين.
أعتقد أن كل حر أبيّ يعشق فلسطين ويريد لشعبها أن ينتصر وهو ينظر إلى كثيرين من أبنائها يضيعون ويرى كيف تُحجم مناهجنا التربوية في زراعة هذا العشق لفلسطين، ينظر إلى عمر وأبنائه الكرام فيقول: ليتني مثل عمر.