قتلت قوات الاحتلال بدم بارد صالح البرغوثي بعد أن تم اعتقاله ثم أعلنت الحرب على عائلته وصبت جام حقدها وغضبها كما ينزل الليل ساحة النهار، أرعدت وأرسلت صواعقها واستدعت كل قواتها السوداء من خيبر إلى اليوم، زين لها عقلها الفاشي هذا البيت الصغير الآمن المطمئن أنه كغزة معقل للقتال والمقاومة، فعزيمة رب هذا البيت أبو عاصف مصنع للصواريخ والقذائف الثقيلة، وهمة أم عاصف هي عندهم صانعة المقاتلين الأشاوس، أما تلك الروح والثقافة التي تخرج مثل هؤلاء فهي بمثابة العقيدة القتالية التي يمتلكها الثوار منذ عز الدين القسام إلى هذه الأيام.
لقد اكتشف دماغهم المجرم أنهم أمام العائلة النموذج، الروح التي تكشف روحهم الشريرة، التربية العالية على العزة والأنفة والكبرياء، العاصفة التي من شأنها إن أخذت طريقها أن تعصف بهم فتذرهم قاعا صفصفا، فلا بد من تحطيم هذا النموذج لذلك استوجب إعلان الحرب وفتح كل مخازن الأسلحة واستدعاء الاحتياط .
أبو عاصف يرسل عليهم من قلبه المكتوي بنارهم كلماته التي ستبقى خالدة في سجل النضال الفلسطيني، ضربوه قذيفة من العيار الثقيل :" لقد قتلنا ولدك صالح" فرد عليهم بصاروخ عابر للقارات :" أنا ربّيته لهذا اليوم": ربيته ليكون شهيدا، أنتم لا تدركون معنى أن يكون شهيدا، أن يشهد على إجرامكم ويغادر دنياكم للقاء ربه ويبقى عنوانا بارزا على هذه الطريق التي ستنتهي بكنسكم وكنس رجسكم عن هذه الأرض المقدسة، أنتم لا تدركون معنى أن يقدم شاب روحه ليتحول إلى مشعل خالد يبدّد ظلامكم، أنا أعددته ليكون شهيدا .. هذا ما أنا عليه وولدي: على استعداد تام لنعيش من أجله ونموت في سبيله.
لقد دق حصونهم من جذورها الواهية، أنتم مجرد ذبابة مرت بهذه الأرض، بعد أربعين سنة من سجونكم وبأسكم الشديد لم تحصدوا إلا كشف زيفكم، أربعون سنة وعمر تغيّبونه في غياهب سجونكم ليفلت أبناؤه من روحه الثائرة، فلا يحدث إلا العكس تماما، هناك في البيت الأم سلالة الثوار ووريثة روح الجد الباقية والجدة التي تعانق السماء بعزمها العظيم، لم يزد تغييبكم للأب في سجونكم إلا زيتا على النار وحرثا لزيتونه الذي يكاد زيته يضيء ولو لم تمسسه نار. اعتقلتم الجميع صغيرا وكبيرا ونكلتم كما يحلو لكم من غير أن تتفكروا بما تفعلون، روح الانتقام تتملككم وتسيطر عليكم دون أن ترفعوا عيونكم إلى ما هو أبعد من أنوفكم، هذه عائلة لا يزيد بأسكم على ما هي عليه إلا زيتا على وقودهم الملتهب، فلا تتعبوا أنفسكم.
ونائل ثورة بحد ذاته، شكّل في سجنه الطويل كلية عسكرية يخرّج منها الرجال، أرادوا سجنه ووضع آصارهم وأغلالهم على رقبته وصدره فخرج منها نورا يأكل ظلامهم وروحا تُزرع في صدور الأحرار، شكّل بذلك ردّا مقاوما وردما ينهال على حكاياتهم المزيفة، ماذا نلتم من نائل في سجنه وماذا نال منكم؟ لقد خسّركم أكثر مما خسر بل بالعكس فإن كل نور زرعه في قلب حرّ سينقلب عليكم نارا إن عاجلا أم آجلا، والعبرة في النهايات وأنّ ما يجري على أرض كوبر اليوم ما هو إلا إشارة على الطريق اللاهب بين خط نائل النور وخط الاحتلال الأسود.
تفتحون حربكم بكل قضكم وقضيضكم على عائلة صغيرة بعدد أفرادها ولكنها كبيرة عظيمة تتجاوزكم وتزرع في قلوبكم الهلع والخوف على المستقبل، فأين مستقبلكم الذي بني على ظلم وقهر شعب، ثم خط لنفسه مسارا وسط أدغال موغلة في الخطر والرعب، من مستقبل شعاع من نور يخط طريقه بكل صدق وعدل وحق، يستجمع الروح الأصيلة وشجاعة الرجال وقوة الحق الناصعة وفوق كل شيء معه الحق المطلق والعدل المطلق لهذه الحياة. رب عزيز حميد على كل شيء قدير.
لن يخبو أوار هذه العائلة المباركة بإذن الله إلا وقد كشفت زيف هذا الاحتلال المقيت وخرجت بعنفوانها، مرفوعة رؤوس رجالها، خافقة بالحرية والحياة نساؤها، ضاربة للحاضر والمستقبل أعظم مثل للعائلة الفلسطينية الحرة المجاهدة، تقول لنا جميعا مضى عهد النوم يا عاصفة ولا نامت أعين الجبناء.