عندما يسفر الحقد الدفين عن تجلياته فإنه لا غرابة في أن ينتج مثل هذه الإجراءات المجرمة في حق معتقلينا، في عتمة ليلهم البهيم يكتشفون أن المعتقلين في سجونهم يتمتعون برفاهية عالية، ومن خلال لجنة يرأسها وزير هوسهم الأمني: "جلعاد أردان" لمعالجة هذا المكتشف الجديد "الرفاهية العالية في السجون" يطلون علينا بقرارات من شأنها أن تخفّض من مستوى هذه الرفاهية، يعني ممكن أن تصبح برفاهية متوسطة أو دون أن تكون عالية، هذه تطال الزيارات والتمثيل الاعتقالي وساعات الخروج للفورة وخفض قيمة "الكانتين" وسحب الأجهزة الكهربائية وتحضير الطعام ... الخ.
يتصورون سجونهم كسجون العالم المتحضر، كالسويد مثلا يعيش السجين في منتجعات خمسة نجوم أو حتى سجونهم المدنية فيها يخرج الأسير إجازة ويمارس حياته الطبيعية وينجب أطفالا، معتقلونا في سجونهم ليسوا في رفاهية عالية ولا متوسطة بل هم في أدنى درجات الحياة المعيشية، ولكن أردان وحكومته بنفوسهم العفنة لا يرون الفلسطيني إنسانا لذلك يستكثرون عليه حبة الملح وقطرة الماء ويستكثرون عليه أن يقبل طفله أو أن يبتسم في سجنه.
- لقد كتب في سجل تاريخ سجونكم الأسود أن في سجونكم يمكث الطفل في التحقيق في زنازين مرعبة أكثر من سبعين يوما ونفسيته يجري تعريضها لكل صنوف العذاب الجسدي والنفسي ليتمّ تنخيلها وإحداث الثقوب النفسية التي تبقى مزروعة في أعماقه طيلة حياته.
- رأينا في سجونكم من لفظ أنفاسه الأخيرة بين يدي سجانيكم في زنازين التحقيق التي أنتم تطلقون عليها اسم المسلخ، وماكينة العذاب تعمل هناك ليل نهار دون أي توقف منذ قام الاحتلال إلى الآن. قائمة طويلة من الضحايا التي ما زالت تنتظر محاكمتكم وإبراز جريمتكم التي لم تتوقف لغاية اليوم.
- رأينا في سجل تاريخكم الأسود كيف يجتمع عذاب سجونكم والمرض الذي نتج عن إهمالكم الطبي المتعمد في معادلة سحيقة أودت بحياة مئات الأسرى بدم بارد وأنتم تتلذذون بسماع آهاتهم دون أن يرف لكم ضمير أو أي حس إنساني.
- رأيناكم وأنتم في محاكمكم كيف تقيمون عرش نشوتكم وأنتم تمرمرون حياة الأسير وأهله وتمديد الاعتقال الإداري يتكرر على أنغام ملف سري لا يعلم به أحد سوى عقولكم السوداء.
- تاريخ سجونكم الأسود حافل بالقمع الوحشي الذي قتل وزرع عاهات دائمة لأسرى مجردين من كل شيء لا يملكون قوة للدفاع عن أنفسهم، رأينا بأم أعيننا كيف يفقأ ضابط مرموق بقلمه عين أسير، رأينا كيف تمارسون ساديتكم بالعصا الكهربائية وهي تلعب على أجساد المعتقلين، وجرار الغاز التي تفرغ حمولتها في زنازين ضيقة.
- وعلى صعيد طعامكم الذي يأتي بالفاصوليا يوم سبتكم مع البيض المسلوق، كيف تجمعون الفاصولياء والبيض بطبخة عندكم دينية وتلزمون الأسرى بها؟ وتأتي اللحوم الزرقاء التي لا تطيقها النفوس ومؤخرة الدجاجة؟؟ هل تعتبرها "سيد أردان" رفاهية؟ ماذا تبقى من الدجاجة للمرفهين أمثالك إذا اعتبرت هذه رفاهية؟؟ الطعام في سجونكم على أتعس ما يمكن كمّا ونوعا حيث يأتي متعهد السجون بالخضار التالفة في السوق لتطبخ طبخا رديئا فيقوم الأسرى بتدعيمها من مشترياتهم من "الكانتينا" على حسابهم الخاص وتأتي اليوم للتحدث عن منع الأسرى من هذا التدوير لطعامكم الذي لا يؤكل أصلا؟
- سجونك السوداء قريبة جدا من صورة قلبك الأسود يا "أردان"، ضيقة زنازينها، تكاد تكون معدومة التهوية، مكتظة بعدد من فيها وفي مساحة ضيقة أمام دورة المياه يمارس الأسرى هناك كمكان للطعام وهو نفسه للصلاة وهو نفسه لانتظار الدور لدخول هذه الدورة، واذا أردنا تطبيق المساحة المتعارف عليها لكل أسير فإنه يتطلب إبقاء ثلث من فيها فقط.
استحقاقات أسرانا المسلوبة كثيرة وصور الامتهان يضيق لها المكان، فهل "مثلا" ما زال هناك بشر في العالم يوضعون في أقفاص إلا في سجونهم؟ فقط إن هذه الحكومة المتطرفة تريد الإمعان أكثر في تعذيب أسرانا، هي بذلك تعكس صورتها البشعة للعالم وفي الوقت نفسه تدفع الأوضاع لتضعها على فوهة بركان لا تدري كيف تكون عواقبه..