فلسطين أون لاين

في الافتراضي والواقعي.. "كُنْ أنت"

...
غزة- مريم الشوبكي:


تشاهد منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي فتنبهر بشخصياتهم الافتراضية المتزنة والمثقفة، وآرائهم السديدة، وعلى أرض الواقع تنصدم باختلافها تمامًا؛ فارغة، سطحية، يدعون العلم والمعرفة، وتتساءل هل يعانون "انفصامًا" في الشخصية، أو يحاولون التستر على ضعفهم؟

"كن أنت"، قالها ديل كارنجي أحد كتاب التنمية البشرية قبل عشرين عامًا، "كن أنت" ذاتك، أنت لا تمثل أحدًا ولا تفترض شخصية ما، مثّل نفسك الحالية والواقعية، كن واقعك أنت؛ شخصية واحدة لها مواصفاتها وميزاتها وعالمها الجميل، أوقف أي شخصية افتراضية لديك وكن أنت، ابحث عن نفسك جيدًا ستجد أشياء جميلة بالتأكيد.

عالم جوجل

الاختصاصية النفسية والاجتماعية إكرام السعايدة قالت: "لا شك أن مواقع التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا المعلومات، سيطرت على حياتنا وأصبحت سمة من سمات العصر، وبات يعرف عالم اليوم بعالم "جوجل" وانضمام الأفراد إلى تلك المواقع انطوى على الكثير من الآثار سواء إيجابية أو سلبية وهذا مرهون بطريقة استخدام الفرد لتلك الوسائل، وتسخيرها لمصلحته".

وأضافت السعايدة لـ"فلسطين": "الأمر بالغ الأهمية وهو ازدواج الشخصيات التي نجمت عن تلك المواقع، فبات هناك شخصية واقعية يعيش الفرد بموجبها في محيطه الذي تحكمه بمجموعة من الضوابط الاجتماعية والدينية والثقافية والسياسية".

وتابعت: "وعلى الجانب الآخر تظهر الشخصية الإلكترونية تلك الشخصية المثالية التي يبدو عليها الفرد، التي قد تختلف في كثير من الأحيان عن الشخصية الواقعية، ما أسهم في خلق بعض المشكلات، سواء على الصعيد النفسي أو الاجتماعي وحتى المهني".

وعزت الاختصاصية النفسية الأسباب التي تخلق التناقض بين الشخصيتين إلى بُعد العالم الافتراضي عن الواقع المعيش، وكذلك الصورة المثالية التي يطمح الفرد إلى تحقيقها، وقد يكون بعض النقائص الموجودة لدى البعض فيحاول تجميلها في العالم الافتراضي.

ردود الفعل

وبينت أن العالم الافتراضي بعيد عن ردود الفعل المباشرة للأفراد وافتقاره لإظهار أهم مهارات التواصل في العالم الواقعي، كلغة العيون ولغة الجسد ونبرة الصوت، ويبحث البعض فيه عن الإطراء والمديح الذي تشكل مواقع التواصل الاجتماعي فرصة سانحة للحصول عليه.

ولفتت السعايدة إلى وجود بعض المشكلات في العالم الواقعي فيما يتعلق بشبكة العلاقات الاجتماعية، ولتجاوز تلك المشكلات يلجأ الفرد لتكوين علاقات افتراضية يتسم فيها بصورة مغايرة تمامًا لما يبدو عليه في الواقع، ويعاني أصحابها اعتلالات في الشخصية وضعف الثقة بالذات.

وذكرت أن إتاحة التفاعلات الاجتماعية الواقعية فرصة لاكتشاف حقيقة الأفراد، وحينها تنجلي الغشاوة عن أعينهم وتبدو الصورة في أوضح معالمها، فكثيرًا ما اهتزت الصورة المثالية لأشخاص بعد أن كان الواقع مخيبًا للآمال.

وأشارت الاختصاصية النفسية إلى أن أصحاب الشخصيات الإلكترونية يخسرون بعض الامتيازات، التي يستطيعون الحصول عليها من مواقع التواصل الاجتماعي، إن اكتشفت حقيقتهم.

وأفادت بأن الشخص الذي يظهر على العالم الافتراضي بغير حقيقته، قد تنتابه مشاعر لوم الذات وعدم الرضا عن نفسه، وحالة الإحباط التي قد يصل إليها نتيجة للتناقض الكبير بين الواقع والافتراض.

كن ذاتك

وبينت السعايدة أن الجميع يسعى إلى المثالية ويصبو لأن يكون قدوة وبذرة خير للحياة، وقد تختلف الأساليب منها ما هو إيجابي وما هو سلبي، لكن النقطة الأهم عدم خسران الذات، لأن الإنسان المتكلف والذي يظهر بشخصيتين مختلفتين يفقد احترامه لذاته ويفقد احترام الآخرين له.

ونصحت الإنسان الذي يتصنع شخصية ليست حقيقته، بتقبل نفسه كما هي، وأن يسعى لتصويب أخطائه، وهذا يكفيه أن يحاول في هذا العالم الذي يتسم بالمثالية الزائدة.

ودعت مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي إلى أن يتذكروا بأننا نعيش بين البشر وليس الملائكة، وتقبل الأفراد كما هم في حقيقتهم، وعدم محاولة تصيد أخطاء الآخرين، وأن يتركوا المثالية الزائفة والزائدة التي لن يجدوها إلا في المدينة الفاضلة.