لماذا كل هذا الاهتمام وإظهار البهجة ببدء عام ميلادي جديد، ولا نرى هذه الاحتفالات بهذا الشكل في بداية العام الهجري؟! لماذا يغيِّب كثيرون التقويم الهجري، فيذكروا التاريخ الميلادي فقط في معاملاتهم ودعواتهم وكتبهم ومراسلاتهم؟!، لماذا ألغى غالبية المسلمين من ذاكرتهم الشهور الهلالية، والسنين الهجرية، فجعلوا التاريخ الذي وضعه يوليوس قيصر بدلًا من التاريخ الذي وضعه عُمر بن الخطَّاب؟! فلو سألت كثيرين: ما التاريخ الهجري اليوم أو السنة الهجرية الحالية؟ لا تكاد تسمع إجابة إلا من القليل القليل.
لقد تشاور سيدنا عُمر وإخوانه الصحابة (رضوان الله عليهم) في وضع تاريخ يبدأ منه حساب المسلمين، فلم يكن هو ميلاد النبي (عليه الصلاة والسلام)، مع أن ميلاده كان إيذانًا بميلاد العدل والنور للبشرية، ولم يكن هو يوم بعثته (عليه الصلاة والسلام)، مع أنه كان بداية رسالة الرحمة للعالمين، لكنَّهم اتفقوا على حدث الهجرة، لأنه الحدث الذي تحول فيه المسلمون من الاستضعاف إلى القوة والتمكين.
فاليوم في الإسلام يبدأ من غروب الشمس، والشهر يبدأ من ظهور الهلال، والسنة تبدأ من شهر الله المحرم، هذا هو تاريخ المسلمين، وهذا ما جرى عليه عملهم، ومعاملاتهم، وظل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يؤرخون به أحداثهم، ويسجلون به وقائعهم، ويكتبون به مكاتباتهم، ويثبتون به مواعيدهم، حتى صار هذا التاريخ راسخًا في نفوس كل المسلمين، فهو مرتبط بهم ارتباط الأحكام بمواقيتها: في الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والعيدين، والأيام البيض، وستٍّ من شوال، وعشرٍ من ذي الحجة، وأيام التشريق، وعاشوراء... يضاف إلى ذلك تاريخ الإسلام المجيد، من سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وغزواته، وسيرة الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين، والفتوحات الإسلامية، مثل: القادسية، اليرموك، وفتح الأندلس، وحطين، والقسطنطينية، وكل انتصارات المسلمين، وتاريخ أئمة الإسلام وأعلام الأُمة، فما الذي حدث بعد ذلك؟!
احتُلت كثيرٌ من ديار المسلمين، وتنبه الأعداء المحتلون لدور هذا التاريخ وأثره في ربط المسلمين بدينهم ومجدهم؛ فخططوا للفصل بين ذاكرة الأمة وتاريخها، فوقعنا –يا للأسف- في هذا الفخ، لذا نحن مطالبون جميعنا على المستويين الرسمي والشعبي، لا أقول بإلغاء التقويم الميلادي، ولكن بالاهتمام بالتقويم الهجري على الأقل قدر اهتمامنا بالميلادي في معاملاتنا الرسمية واليومية، لذا إنني أدعو كل أبناء شعبنا لحمل ورقة مواقيت الصلاة دائمًا، ووضع التاريخ الهجري قبل الميلادي في المراسلات وبطاقات الدعوات، وأرجو من المعلمين والمعلمات كتابة التاريخ الهجري قبل الميلادي على السبورة يوميًّا، وإلزام الطلبة بتدوين ذلك في دفاترهم في كل حصة من الحصص الدراسية، كي نعود إلى تاريخنا المجيد، وثقافتنا الإسلامية الأصيلة.