تبدأ الخيانة باحتقار طاقات الوطن، وعدم الثقة بقدرات الناس، ثم تتطور الخيانة فتصير بيعاً للوطن، وغدراً بالناس، ولو راجعت سيرة حياة الخائنين، لوجدت أنهم يكرهون الناس، ويستخفون بالآخرين، ويحقدون على المجتمع، ولهم في ذلك تجارب شخصية تحفزهم على الانتقام، وتسهل لهم الوقوع في الشرك، ليصيروا عملاء عن رغبة أو عن جهالة.
وقبل الحديث عن مدرسة الخيانة في الوطن العربي لا بد من توثيق موقف وطني، وتقديم كلمة شكر وافتخار للوزيرة الأردنية جمانة غنيمات، التي داست على العلم الإسرائيلي في نقابة المهندسين، بعد أن تجنب المرور من فوق ذاك العلم كثير ممن يلبسون ثوب الوطن!
جمانة لها من اسمها سلوك، ولها من عائلة غنيمات نفسها تاريخ وطني عربي إسلامي يشرف كل عزيز، ويبصق على لحية كل ذليل، جمانة على خلاف مع المحامي أيمن أبو ريا، الذي أسس حزباً عربياً جديداً، سيخوض فيه انتخابات الكنيست الإسرائيلية، تحت اسم البيت العربي، ليحاكي بهذه التسمية حزب "البيت اليهودي" الذي كان يتزعمه المتطرف نفتالي بينت.
حزب "البيت العربي" لا عربي فيه إلا الاسم، لأن منهاج هذا الحزب والسلوك والتفكير والأطماع والتنظير كله يهودي، فزعيم هذا الحزب يحترم حق الشعب اليهودي في دولة له، ويحترم رموز الدولة؛ مثل العلم والسلام الوطني، وهذا الاحترام لهذه الرموز لا يعني الخروج عن الإجماع العربي فحسب، وإنما يعني احتقار الوجود الفلسطيني نفسه على أرض فلسطين التاريخية.
الخيانة لفلسطين وشعبها لم تعد في زمن التعان الأمني المقدس وجهة نظر، كما توقع ذلك الشهيد صلاح خلف، الخيانة صارت فلسفة ومدرسة لها مدير خبير، وفيها محاضرون مخضرمون، ويتخرج منها المئات الذين يقدسون السلام الوطني الإسرائيلي، ويعترفون بيهودية الدولة، ومن هؤلاء الكاتبة الكويتية فجر السعيد، التي غردت مع التطبيع، ومع التعاون الأمني والتواصل الاجتماعي والعناق العاطفي مع الصهاينة، فجر الشيطان كاتبة يتبرأ منها الشعب العربي الكويتي، وتفتخر بها وزارة الخارجية الإسرائيلية التي أطلقت عليها لقب: فجر الشجاعة، وفجر التطبيع العربي مع الصهاينة، لتسهيل مهمة سيطرتهم على الأرض الفلسطينية.
الخيانة لم تعد وجهة نظر، الخيانة صارت تآلفا وتحالفا وثيق الصلة بين كل أولئك الذين يديرون مدرسة التعاون الأمني، ويكفي أن تعرف أن فجر السعيد أو فجر الشجاعة أو فجر الشيطان ما هي إلا تلميذة تدربت في مدرسة محمود عباس، وقد زارته في مقاطعته، والتقطت معه الصور، ونطقت بلسانه حين قالت عشية رأس السنة: إنها تؤيد وبشدة التطبيع مع دولة إسرائيل، والانفتاح التجاري عليها، وإدخال رؤوس الأموال العربية للاستثمار فيها، وفتح السياحة، وخاصة السياحة الدينية، وزيارة القدس والمسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة".
وسط هذا الجو القاتم من الخيانة التي صارت وجهة نظر، ينبري المزاج العربي العفيف الكريم في نقابة المهندسين في الأردن، وفي نقابة المحامين في القاهرة، وفي كل النقابات والمؤسسات العربية من شرق هذا الوطن إلى غربه، والذي دلل بالتجربة، وبعد عشرات السنين من اتفاقيات السلام مع الصهاينة، أن المزاج العربي لما يزل يرفض التدنيس والتدليس، ويرفض دعوة محمود عباس ومحمود الهباش لزيارة القدس تحت الراية الإسرائيلية، بحجة أن زيارة السجين لا تعني زيارة السجان، لقد رفض المزاج العربي هذه الأكذوبة، ورفض أن يمد يده المتوضئة بالكرامة لتصافح يد رئيس المخابرات الإسرائيلية كما يفعل محمود عباس، ورفض أن يصفق بيديه العربيتين الطاهرتين لكل رئيس أو ملك وضع يده في يد رئيس جهاز الموساد، أو رئيس الوزراء نتنياهو، أو أي شخصية إسرائيلية تلوثت يدها بالدم العربي.