يتواصل الحديث الإسرائيلي عن التسكين المؤقت للوضع الأمني في الضفة الغربية، وسط قناعات واسعة في المستويين الأمني والعسكري أن كل الإجراءات الأمنية الإسرائيلية لمنع تنفيذ المزيد من الهجمات الفلسطينية لن تمنع المهاجم الفلسطيني القادم من اختراق التجمعات الاستيطانية، لأن إسرائيل تتغطى بـ"سترة خاطئة"، فالحرب التي تخوضها إسرائيل في الضفة ليست انتصارا دائما، بل هي جولات وفترات هدوء فقط تفصل بين الهجوم والذي يليه.
لفت انتباهي في الأيام الأخيرة تحليل عسكري مطول للخبير الإسرائيلي المخضرم أمير أورن، وهو يقدم تشريحا علميا ميدانيا لتحليل السياسة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، ستنشغل السطور التالية في تقديم أهم استخلاصاته نظرا لأهميتها.
تعتقد المؤسستان الأمنية والعسكرية في تل أبيب أنهما لا تملكان حلا سحريا لوقف الهجمات الفلسطينية، في حين يواصل الجيش دفع الثمن من جنوده بسبب استمرار السياسة الخطأ للسيطرة على المناطق الفلسطينية، ما يطرح السؤال: كيف يمكن للعمليات أن تعود للضفة الغربية في ظل الأحاديث عن سلسلة الإحباطات المركزة لأجهزة الأمن فيها؟
مع العلم أن الأمر لا يتعلق بإعطاء بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة ووزير الحرب لتعليماته فقط، فالجيش لا يملك أداة سحرية للقضاء على موجة العمليات الفلسطينية، فالمعادلة واضحة بسيطة: مستوطنات تعني مقاومة، احتلال يعني عمليات.
يكشف التوتر الأمني الدائم في الضفة أن التفوق الاستخباري والعسكري الإسرائيلي يفقد قيمته رويدا رويدا من خلال الاحتكاك الدائم مع الفلسطينيين هناك، إنسان مقابل إنسان، بنك أهداف من ملايين المواقع والأشخاص، جنود يرتدون الزي العسكري أمام فلسطينيين مدنيين يمكنهم التستر كمسلحين وحاملي سكاكين ومنفذي عمليات دعس، ما يتطلب من إسرائيل توفير منظومة متكاملة من حماية المستوطنات وتأمين الطرق.
إسرائيل اليوم لا تملك حلا سحريا لمنع المهاجمين الفلسطينيين من التسلل إليها، أو لمستوطناتها بالضفة، سواء من حاملي السكين أو القنبلة أو المسدس، وجيشها اليوم الذي لديه قدرات فائقة للتخطيط لحروب ضد جيوش نظامية، تواجه قدراته صعوبات جادة أمام منظمات لديها سلسلة قواعد للسيطرة والتحكم ومبان مؤسساتية، لكن الصعوبة الأكبر التي يواجهها الجيش تتمثل في إحباط المسلح الفلسطيني الذي يحمل سلاحا، ويسعى الجيش لإحباطه.
في مثل هذه الحالة يبدو طرح هذا السؤال مشروعا: كيف أن ملاحقة منفذ عملية سلفيت قبل شهرين أشرف نعالوة استدعت من الجيش جميع وحدات دوفدفان وبعضا من وحدات إيغوز وماغيلان المنشغلة في الحدود الشمالية، هذا يعني أن الجيش أفرد ثلث قواته من كتائب الكوماندوز لملاحقة إنسان واحد، هذا ثمن ثقيل العيار يذكرنا بما كان عليه الحال في الضفة الغربية وقطاع غزة بين عامي 2000 و2005، وفي لبنان خلال حرب 2006.