ثانيًا: النصوص الشرعية: ونقصد بالنصوص الشرعية كل النصوص التي لها علاقة مؤثرة في معنى النص الذي يراد بيان معناه، قريبة أو بعيدة، فتشمل آيات القرآن، وروايات الحديث، والأحاديث الأخرى، وما يلحق بذلك من المعاني المعلومة من الدين بالضرورة التي بنيت في الأساس على نصوص من الكتاب والسنة (نظرية الاعتبار8 )، هذه الأمور تعرف بالنظر الواسع في النصوص، والقراءة الجامعة التي تضع الجزئيات في إطار الكليات، وتلحق الفروع بأصولها.
وكلما كان استحضار هذه الجزئيات أشمل؛ كان فهم مراد المتكلم من كلامه أدق، والعكس بالعكس، يقول الشاطبي: "وإذا فات نقل بعض القرائن الدالة؛ فات فهم الكلام جملة أو فهم شيء منه" (الموافقات 3/374).
لقد كان هذا المنهج التكاملي في فهم الحديث حاضرًا عند الصحابة y، فقد وظفوا مجموع ما تلقوه عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) في فهم كل أقواله وأفعاله (صلى الله عليه وسلم)، وتتجلى نتائج هذا المنهج في ممارساتهم وتطبيقاتهم العملية، نرى هذا الفهم في حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ r لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنْ الْأَحْزَابِ: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ", فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمْ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: "لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا", وَقَالَ بَعْضُهُمْ: "بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ"، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ r، فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ" (البخاري904), فالصحابة الذين صلوا قبل أن يصلوا إلى بني قريظة نظروا خارج النص.
ونرى هذا الفهم أيضًا بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) عند سيدنا أبي بكر y حينما عزم على قتال مانعي الزكاة، فقال له عمر: "يا أبا بكر، كيف تقاتل الناس وقد قال رسـول الله (صلى الله عليه وسلم): (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: "لا إله إلا الله"، فمن قال: "لا إله إلا الله" عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله)؟!", قال أبو بكر: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لقاتلتهم على منعها" (البخاري 1335)، فأبو بكر y لم يترك العمل بحديث النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي ذكره له عمر، ولكنه فهمه في ضوء مسلمات شرعية أخرى مستفادة من النصوص الشرعية، لذلك وافقه عمر وغيره من الصحابة، وقاتلوا معه.
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم.