ما جرى بين أردوغان ونتنياهو ليس مجرد مشادة كلامية، أوَ كنت تتوقع يا نتنياهو أن يتحدث أردوغان عن حسّك الإنساني المرهف وعن وجهك المبشر بالأمن والسلام والزهر والعسل؟ أو أنك تراه ممسحة لجرائمك كما فعل غيره من زعماء قبائل الأعراب فيفرشون لك قلوبهم وأرواحهم المهزومة لتكون لقدميك سجادًا أحمر تعبره إلى حيث تريد؟ هل أغواك استقبال من رضوا أن يكونوا مماسح لحذائك فتطاول لسانك وضلّ عقلك فأصبح لا يميز بين قبس من عُمان أو قبس من أردوغان؟ اطمئن واعلم أن أردوغان معدنه يختلف عن زعماء التنك.
عندما يردّ أردوغان على نتنياهو بهذه الكلمات: "مستبد وصلف ويرأس دولة إرهابية"، يقصد تماما ما يقول، هو يعطي التوصيف الدقيق ويرسم الصورة على حقيقتها دون أي تزييف، بدل ما يقال إنها واحة الديمقراطية في المنطقة، وهذا يعني أن الذي يقودها جاء بطريقة ديمقراطية ليكون ديمقراطيًّا، هكذا مجرد كذب صريح وافتراء سخيف، فهذه الواحة الجميلة! هي احتلال مغتصب لأرض لا حق له فيها، يقيم حياته على حساب حياة أصحاب هذه الأرض الأصليين، ما هو إلا وباء أصاب هذه الأرض وأحالها إلى قطعة من العذاب، جاء بأناس ليقيموا حياتهم المترفة بعد أن حول حياة آخرين إلى عذاب دائم مقيم، هذه هي الدولة الديمقراطية الجميلة التي اختصرها أردوغان بقوله إنها دولة إرهابية، وهل هناك وصف أجمل من هذا؟ ماذا يسمي نتنياهو طرد شعب وقلعه من جذوره؟ ماذا يسمي تدمير مئات القرى والمدن وتطهيرها عرقيًّا ليسكن مكانهم من أتى بهم من كل أصقاع الأرض؟
ويتجلى استبداده بعد أن تمكن من الاحتلال في كل حركة وسكنة يتحرك بها سواء كان ذلك على الأرض أو سكانها؟ هل نعدد أشكال الاستبداد التي طالت كل شيء؟ هل ترك مقدسًا دون أن يدنسه بغطرسته السادية المفرطة؟ والأقصى شاهد دائم على هذه الغطرسة.. هل ترك أرضًا دون أن يطأها باحتلاله الأسود واستيطانه البغيض؟ هل ترك بشرًا دون أن يعتدي على حقوقه الأساسية في الحياة؟ القتل وسفك الدماء والإعدام بدم بارد والاعتقال وزج الناس في سجونه السوداء؟ والحروب البغيضة التي قادها وصب جام قذائف الموت متعددة الأشكال، القنابل الفراغية التي دمرت أبراجًا سكنية من بيروت إلى غزة والضفة، ماذا فعلت طائراته التي لم تراعِ مقرات للأمم المتحدة ومدارس، ماذا فعل في مخيم جنين مثلًا وقانا ومدرسة الفاخورة؟ إذا كنت ناسيًا نذكرك بآلاف المجازر ومحطات الموت والدمار التي ألحقتها مدمراتك ذات الحس الإنساني المرهف.
هل كنت تتوقع من أردوغان أن يمسح على ذيلك ويتحدث عن الحس الإنساني المرهف الذي أحطت به الفلسطينيين والمنطقة بأسرها؟ وهنا يتجلى الصلف من توقعاتك أن يثيبك الناس على جرائمك، لقد غرّك ما تسمعه أذنك المتعجرفة من عبيد المنطقة ومن أعرابها المتسلطين على رقاب شعوبهم، هم لا يرون جرائمك لأنهم شركاؤك في الجريمة، أردوغان من سلالة مختلفة، هذا الصنف من الرجال يرون صورتك على حقيقتها، فلا يمارونك ولا ينحنون أمام غطرستك، فالوضع الطبيعي أن يكيلوا لك ما تستحقّ من وصف وأن ينزلوك المنزلة التي تستحق.
هؤلاء استعدوا ليكونوا ممسحة لأقدامك وأنت لا تستحق أكثر من أن تكون ممسحة مناسبة لحذائه.