قرأت ما كتبه الأخ، غسان الوحيدي تعليقًا على كتاب (د. حيدر عبد الشافي.. الرجل والقضية) للباحث المجتهد نعمان فيصل، جذبتني أسطر النقد الأولى، لما فيها من توافق بين الناقد، وبين مُعدّ الكتاب، فهما متفقان على شخصية الكتاب الوطنية، التي تحظى بالاحترام والتقدير من كل الفلسطينيين، والعرب، وأحرار العالم.
وما إن أوغلتُ في قراءة المقال، حتى اقتنعتُ بأن شخصية الدكتور حيدر، الآسرة، الجذّابة بما تحمله من قيم، هي التي دفعت كاتب المقال إلى أن يضع لها بروازًا جديدًا، يختلف عن برواز مؤلف الكتاب، فشرع الأخ، غسان في صُنع هذا البرواز الموشَّى بزخارف الخطط، فاقترح أن يكون برواز صورة د. حيدر عبد الشافي ممهورا بتوقيع أكاديمي، نطاسي بارع، يليق بمقام الرمز الوطني الراحل، د. حيدر عبد الشافي، وأن يُعدّل الباحثُ المجتهد زاوية الصورة، وطريقة التقاطها، وأن يستخدم في رسم الصورة فرشاةً قوية المقبض، من خشب المهاغوني، وأن يُتقن فنَّ مزج الألوان، وأن تكون لوحة الرسم صغيرة جذَابة.
لم يكتف كاتبُ المقال، الحريصُ على الصورة أن يعرضَ آلياتِه الخاصة بتصميم براويز قادة وزعماء الوطن، فوضع استراتيجاتٍ مطولةً، وبنى الأخ، غسان مرسمَه الخاصَّ، وأعدَّ أدواتِه الشخصيةَ، وشمَّر عن ساعده ليبدأ هذا الجهد الوطني التوثيقي لإحياء وبعث سير أبطال فلسطين، فهُم تاريخُنا الخالد، المطلوبُ توريثُه للأجيال الفلسطينية، نعم، إنها مدرسة خاصة بالأخ غسان، وأنا أعترف بأنها مدرسة، مُنظمة، ننتظر أن نرى مُخرجاتها، وإبداعاتها! لكنَّ الأخ، غسان، من منطلق رغبته في تحقيق مدرسته التوثيقية الخاصة، لم يرفق بالباحث المجتهد، نعمان فيصل، الذي غاصَ منفردا في بحرٍ لُجِّيٍ، لا قرار له، بلا أدواتِ غوصٍ، كان يملك فقط مصباحه المتواضع، أضاء به عن دُرّةٍ وطنية، خشي أن تَطويها الكُتبُ، وينساها أبناؤه، ومجايلوهم، وتلقَّى من التشجيع ما جعله يبني مرسَمه التوثيقيَ الخاصَّ.
غير أن الناقد، غسان أورد في مقاله تعبيراتٍ، كان يجب ألا يحتويها النقد، منها أن الباحث المجتهد لم يكن موفّقًا، وأن كتابه انتقص من قدر الزعيم الوطني، د. حيدر عبد الشافي. مع بعض الإشارات إلى نوايا المؤلف، مثل قوله: "حاول الغمز من قناة المسلمين، حول ترخيص المجمع الإسلامي" أخي، غسان ألا يكفي هذا الباحث المجتهد أنه أعاد لنا ذكرى هذا الزعيم الراحل، بغض النظر طريقة العرض، وعدد صفحات الكتاب، التي أجبرتك على قراءتها، على الرغم من أنك اعترفتَ، بأنها مُملة؟ ثم، مَن قال: إن هذا الكتاب وثيقة تاريخية، توثيقية، مُحكَّمة، خاضعة لأصول البحث العلمي الأكاديمي، فقد كتبَ الباحثُ، نعمان في صفحة الكتاب الأولى: "هو مبادرة شخصية، وعمل تطوعي... رفض الكاتبُ رعايته من أية جهةٍ... إن ريع هذا الكتاب سيذهب إلى الأطفال الفقراء والمحتاجين" أخي، الباحث غسان، رفقا بالباحثين الشباب المجتهدين، ولنكُنْ نحن مشجعين بغير إسراف، مصوبين بغير عُنف، ناقدين بلا سيوف، فأنتَ تعرف أننا جميعُنا في حاجة ماسة إلى مكتبة وطنية تتولى توثيق سير أبطالنا، وزعمائنا، هذا ليس مطلبي فقط، بل هو مطلبكم، فأنتم دائمو البحث، والتوثيق، والمتابعة، بخاصة في تاريخنا المغمور، دمتم أوفياء مخلصين لوطنكم.