فلسطين أون لاين

فتاوى الرضا بالفقر مدعاة للاستسلام

...
صورة أرشيفية
​غزة- مريم الشوبكي:

نشأ الناس على سماع الروايات التي تتحدث عن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان فقيرًا، والفتاوى التي توحي للمسلم البسيط أن يرضى بالفقر ولا يفكر بالغنى، وأن الخلفاء الراشدين كانوا يعيشون حياة التقشف، كأنهم يزينون الفقر للناس حد الإقناع به.

فهل بات الفقر واقعًا يجب التعايش معه؟ هذا بخلاف ما ورد في القرآن والسنة النبوية اللذَيْن حاربا الفقر وأمرا بالسعي والعمل لدرء آثاره السلبية التي يتركها على جميع مناحي الحياة في المجتمع.

طلب الرزق

رئيس رابطة علماء فلسطين في رفح عدنان حسان قال: "قضية مزرية لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات قديمًا أو حديثًا، وهي ناتجة عن كثير من الأمور، وهي قدر الله تعالى يبتلي به من يشاء من عباده، الإسلام الحنيف حارب هذه القضية واستخدم وسائل عديدة بسبب الآثار السلبية التي يتركها الفقر على جميع مناحي الحياة في المجتمع".

وبين حسان لـ"فلسطين" أن الإسلام دعا إلى العمل، وعده عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، وتبدأ بالفرد ومن ثم تنتقل إلى جميع أفراد المجتمع، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".

وأوضح أنه يستدل من الآيات السابقة أن البيع والعمل في أثناء وقت صلاة الجمعة محرم، ولا يجوز، وبعد انقضاء الصلاة يمكن الانتشار لطلب الرزق بالعمل وليس بالراحة، لذا على الإنسان أن يطلب رزقه وألا يكتفى بالجلوس ليطلب عطاءً من الآخرين.

وأكد حسان أن الإنسان في أصل نشأته جُبل على طلب رزقه، قال تعالى: "رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا"، وهذا يدل على أن الإنسان لا بد أن يسعى.

الأنبياء يعملون

وأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا إلى العمل، فقال: "ما أكل أحد طعامًا قط خير من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده"، فالحديث يشير إلى أهمية هذا العمل وعلاج هذه المشكلة المستعصية في المجتمعات وهي الفقر.

وذكر رئيس رابطة علماء فلسطين في رفح أن أنبياء الله يؤدون مهامهم ويعملون أيضًا، غير متكلين على ربهم القادر على أن يأتي بكل ما يريدون، وأنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بعث الله نبيًا إلا رعى الغنم". فقال: أصحابه: وأنت؟ فقال: "نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة".

وأكد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعمل ويبحث عن رزقه إلى أن بُعث نبيًا وتفرغ للدعوة وكان عمله الجهاد وهو سبيل من سبل الرزق.

ولفت إلى أن من الظواهر السيئة التي تلحق بالفقر وتؤذي الناس كثرة سؤالهم. عن ابنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: قالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وأفاد حسان بأن الإسلام جاء لحل قضية الفقر واجتثاثها من جذورها، ولا ينظر إلى دناءة العمل، فمن وجهة نظر الشريعة يتساوى صاحب أشرف الأعمال مع أدناها، لأن كل شخص يؤدي دورا في المجتمع الذي يحتاج إليه، وهو عمل لسد الرمق وخدمة الناس.

وأشار إلى أن الناس يبتلون بأمور متعددة، ومن هذه الابتلاءات الفقر، وما ورد عن النبي بدعائه "اللهم احشرني مسكينًا"، المسكنة هنا ليست الفقر، بل خضوع لله ذلًّا وليس تكبرًا، ولعل من حكم الله أن يكون مثالًا يحتذى به في الدنيا، في الصبر والتحمل والرضا، ولو كان مترفًا مُنعمًا لكان مثالًا للأغنياء فقط.

النبيّ ليس فقيرًا

وذكر حسان أن عائشة -رضي الله عنها، قالت: نهاهم رسول الله ﷺ عن الوصال رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل، قال: إني لست كهيئتكم، إني يطعمني ربي ويسقيني"، الحديث لا يدل على ترك ذلك بسبب الفقر بل كما قال ابن القيم "إن هذا من باب الاكتفاء بالالتذاذ بالعبادة، فإن الإقبال على الله سبحانه بالمناجاة والصلاة والتعبد ورجاء ما عنده، والسرور بمعرفته وما أشبه ذلك يحصل للإنسان به من الشبع ومن الاكتفاء بما يحصل بذلك العمل من غذاء الأرواح ، فيكفيه عن غذاء الأبدان "

وبين أن أكثر الناس فقرًا يوصف بالصبر، ليس من الإنسان ذاته بل بسبب الظروف التي يعيشها من الحصار الجائر والاحتلال، فلو كانت البلاد مفتوحة لم تكن هذه الظاهرة بهذا الحجم.

ولفت حسان إلى أن من وسائل القضاء على الفقر الصدقات، فيؤخذ المال من الأغنياء ويرد إلى الفقراء، وبه تزكية عن نفس الفقير، حيث لا ينظر إلى الغني بعين الحسد والحقد بل يدعو له بالرزق والبركة.

وبعض الروايات تدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان فقيرًا، وقد بين حسان أن النبي في الفتوحات والحروب أعطاه الله خُمس الغنائم، ولو أراد أن يأخذ لكان أغنى الناس، لكن الرسول لا يريد الدنيا فوزع تلك الغنائم على الناس.

وأشار إلى أن وصف النبي بالزهد مواساة للفقراء لا مدعاة للركود، والنبي عمل ولكن انشغاله بالدعوة كان أكثر، والله قادر على عطائه.

ودعا حسان الفقير إلى التخلق بأخلاق رسول الله، وعندها يكون الشخص قويًا، وقادرًا على الكسب والعمل مهما واجه من معيقات، وهذا لا يمنع الإنسان أن يبادر فيكون منتجًا.