فلسطين أون لاين

لمى خاطر.. صاحبة القلم الحر ونصيرة المظلومين

...
صورة أرشيفية
رام الله – غزة/ خضر عبد العال:

بعد انتصاف ليل 24 يوليو/ تموز الماضي، قطعت طرقات عنيفة لباب منزل عائلة الفاخوري شمال مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة الهدوء الذي كان يعم أرجاءه، فتح صاحبه حازم (45 عاماً) الباب، ليتفاجأ بقوات كبيرة من جنود الاحتلال الذين فتشوه، ثم قالوا: "أين زوجتك لمى خاطر؟!".

خاطر (42 عاما) صحفية وكاتبة فلسطينية، كتبت في عدة صحف فلسطينية وعربية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت تسمي نفسها "نصيرة المظلومين"، كما يقول زوجها حازم الفاخوري.

لم يكن أمام الزوجة إلا أن تودّع أبناءها الثلاثة وابنتيها، ولكنها تتمالك دموعها لحظة وداع أصغرهم يحيى الذي كان يعتقد أن أمه ستخرج وتصطحبه معها فسبقها إلى باب المنزل، ولم يدر ذاك الطفل الذي لم يتجاوز عمره العامين أن غياب والدته قد يطول لأشهر وسنوات.

ولاقت صورة وداع الأم لطفلها الصغير تفاعلا وتعاطفا وشعورًا بالصدمة من نشطاء التواصل الاجتماعي، وأظهرت الصورة وجه الطفل الذي بدا غير مقتنع بوداع أمه التي اقتادها الاحتلال دون ذنب يعرفه.

تروى ابنتها بيسان الفاخوري (18 عاما) تفاصيل تلك الليلة لصحيفة "فلسطين"، بقولها: "ليلة عصيبة علينا جميعا، احتضنتنا أمي وأوصتنا بالاهتمام بأنفسنا، وحبست دموعها أمامنا، ثم اقتادوها لمكان مجهول".

ووفقا لنادي الأسير الفلسطيني فإن الاحتلال اقتادها من منزلها لمستوطنة "كريات أربع"، وأنها بقيت هناك حتى الصباح، ثم جرى نقلها إلى عسقلان، وأن خاطر أبلغت المحامي أنها ومنذ لحظة اعتقالها تتعرض لتحقيق قاسٍ ومكثف وهي مقيدة بكرسي طوال الوقت، ويحرمها المحققون من النوم، ويوجهون لها الشتائم.

ضريبة صاحب الرسالة

وقضية الاعتقال مع خاطر وزوجها ليست جديدة، حيث عانى كلاهما من سياسة "الباب الدوار" وتتلخص في تبادل اعتقال النشطاء والمقاومين بين السلطة الفلسطينية و(إسرائيل) للتحقيق في التهم ذاتها.

فقد اعتقلت السلطة في رام الله الفاخوري مرات عدة، والسبب كان في معظم الأحيان الضغط على زوجته للتوقف عن انتقاد السلطة وسياسة التنسيق الأمني مع الاحتلال، ومدح المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وعلقت خاطر على محاولات الضغط المستمرة عليها عبر اعتقال زوجها بتصريحات إعلامية في أبريل/ نيسان الماضي، بالقول: "إن كان صاحب القلم يقبل مسايرة أعداء الكلمة الحرة فهذا يعني أنه يبحث عن الدروب السهلة ليسلكها، وعن كتابة تصنع له نجومية زائفة، وعن مكانة لم تختبر جدارته بها، أما صاحب الرسالة فموقفه سيكون مختلفا بكل تأكيد، لأن قيمة رسالته وكلماته المقدمة من خلالها إنما تظهر عند صقلها على المحك، وحين تصمد في المنعطفات الصعبة، يكون عليه أن يدفع ضريبة من راحته واستقراره لقاءها، الكاتب المأجور هو فقط من يستجيب للابتزاز".

وآخر ما كتبته خاطر على حسابها في موقع "تويتر" تغريدتين، واحدة عن اقتحام عشرات المستوطنين ساحات المسجد الأقصى وخطوات التهويد الاحتلالية المتسارعة للقدس المحتلة، والأخرى عن رعب الطائرات الورقية التي يطلقها فتيان من غزة وباتت تؤرق الاحتلال.

وبالرجوع إلى بيسان فإنها اضطرت إلى تأجيل الفصل الدراسي الأول من السنة الأولى من دراستها الجامعية بحكم أنها الأخت الأكبر بين إخوتها، من أجل متابعة مسؤوليات البيت، خصوصا أخاها الطفل يحيى.

تصف بيسان غياب أمها بالأمر الصعب معللةً بالقول: "هي القادرة على تلبية جميع الاحتياجات دون نقصان"، ثم دعت الله أن يقدرها على سد حاجات إخوتها واحتوائهم ومساعدتهم والاعتناء بهم فترة غياب أمها القسرية في سجون الاحتلال، مثنيةً على دور والدها في دعمها ومساندتها وأخوتها.

وعلى مدار ثلاثة أشهر حرمت سلطات الاحتلال بيسان من "تصريح زيارة" والدتها داخل السجن، ثم ما أن سمح لها بزيارة واحدة حتى منعها مجددا تحت ذريعة "دواعٍ أمنية".

وتشرح بيسان ظروف الزيارة الوحيدة التي بدأت بتفتيش دقيق على حاجز "ترقوميا" المخصص لأهل الخليل، ثم الانتظار لمدة طويلة يتخللها تعامل سيئ جدا من جنود الاحتلال، ثم تفتيش آخر أدق من سابقه على بوابة السجن، ثم الزيارة لمدة 45 دقيقة من خلف حاجز زجاجي والحديث من خلال الهاتف السلكي.

داخل حافلة تقل أبناء الأسيرات اللواتي بلغن نحو 57 أسيرة داخل سجون الاحتلال، تُسمع تمتماتهم حول ما سيُحدثون به أمهاتهم، وكيف سيكون شعورهم لحظة رؤيتهن من وراء الحاجز الزجاجي؟، وفقا لبيسان.

في هذه اللحظات تختلط مشاعر الانسان الذي يحرم من أدنى حقوقه المشروعة دوليا في احتضان أم لأطفالها، وحرمانها منهم قسرا، ولا تستطيع الحديث معهم إلا من وراء حجاب.

تعلق بيسان: "كان شعور لا يوصف وأنا أتحضر للقاء أمي بعد مدة طويلة من الغياب، ومنذ دخولي لصالة الزيارة صرت أبحث عنها، ومجرد ما رأيتها أصابتني قشعريرة وسالت دموعي وضحكت في وقت واحد أنا وإخوتي وأمي".

ثم بدأ أحد جنود الاحتلال من خلف بيسان وأخواتها بالصراخ "انتهت الزيارة"، في هذه اللحظة تمنت الأخت الكبيرة كسر الزجاج الفاصل واحتضان أمها لشدة حالة القهر التي مرت بهم، وليس أمامهم خيار إلا الصمت، وبكاء القهر الذي كان سيد الموقف.