فلسطين أون لاين

"ياسين".. شهيد اللحظات الأخيرة ودّع حياة الفقر والشقاء

...
أثناء تشييع الشهيد ماهر ياسين
​غزة- مريم الشوبكي:


تحرك الباص المحمل بالمشاركين إيذانًا بالعودة بعد أن انتهت فعاليات مسيرة العودة وكسر الحصار في مخيم العودة شرقي البريج، كانت خطوات قدمي "ماهر ياسين" متثاقلة على غير العادة، يناديه الركاب للإسراع بالركوب ولكنه كان يجيبهم بالتأني.

تثاقل "ماهر" بالركوب لأنه على موعد مع الشهادة، قبل وصوله باغتته رصاصة متفجرة تناثرت في إثرها أجزاء من دماغه، ضعفت نبضات قلبه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، مودعًا حياة الفقر والشقاء التي عاشها، ويكون شهيد اللحظات الأخيرة.

لقمة العيش

روت أخته الصغرى "آية" أن "ماهر" (40 عامًا) من النصيرات، كان كل همه في هذه الحياة تأمين لقمة عيشه، كان يحلم بأن يغادر غرفته الكئيبة التي تزكم رطوبتها الأنوف، التي ضاقت ذرعًا به وببناته الخمس وابنه الذي لم يكمل العامين ونصف العام بعد.

وبينت آية لـ"فلسطين" أن شقيقها عاني من مرض الشيخوخة المبكرة، سببت له اعوجاجًا في قدميه، ورغم صعوبة تنقله وبطء حركته كان يصر على المشاركة في مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار كل يوم جمعة منذ انطلاقها في 31 من مارس الماضي.

مع قرب أذان المغرب، تلقت ابنة "ماهر" مكالمة من عمها "رائد" الذي كان مرافقًا لأخيه ويلح عليه للإسراع بالركوب قبل انطلاق الباص، يخبرها فيها أن أباها أصيب وهو في طريقه للمستشفى، وما هي إلا دقائق حتى تلقوا خبر استشهاده.

رحل "ماهر" وترك إرثًا ثقيلاً لزوجته وأخته آية التي لم تكن الأخت الصغرى له فحسب، بل كان دورها كبيرًا في تسيير شئون البيت وعائلته وعائلة أخيه "رائد" الذي يكبره بعامين وشريكه في الإعاقة والمرض.

يشارك كل جمعة

بنبرة خنقتها الدموع تقول أخت الشهيد: "منذ الجمعة الأولى كان يذهب ماهر برفقة أخيه رائد إلى مخيم العودة شرق البريج، من أجل مراقبة رائد والاطمئنان عليه خوفًا من تهوره واقترابه من السياج، كان يخشى أن يصيبه أي مكروه".

وتتابع: "المشاركة في مسيرة العودة لم يكن حدثًا طارئًا في حياة ماهر، حيث كان يشارك في كل حدث تقيمه جميع الفصائل، جنازات تشييع الشهداء واحتفالات التأبين، وغيرها، كان يشارك بدافع وطني".

"الشهيد" ياسين كان يعمل موظف خدمات في بلدية النصيرات، والراتب البسيط الذي كان يتقاضاه كان يعطيه لـ"آية" لتقسمه بينه وبين أخيه وعائلته بعد أن رحل والداهما، وتركا بيتا بمساحة 80 مترا متهالكا غير صالح للسكن، غرفة له تؤويه وعائلته، وغرفة ثانية لرائد وعائلته، وغرفة ثالثة لآية.

وتردف آية: "ماهر كان ذا شخصية هادئة، مسالمة، كان يأخذ بمشورتي في كل أمور حياته اليومية، بسيطًا للغاية يتّكل عليّ بكل شيء يخصه ويخص عائلته بسبب إعاقته وبساطة تفكيره".

أبو جهاد

كُنِّي "ماهر" بأبي جهاد، ولكنيته قصة سردتها أخته: "في سنوات الانتفاضة الأولى اقتحم جنود الاحتلال الإسرائيلي بيتنا، فخرج إليهم أبي يسألهم: ماذا تريدون؟ ونادى إخوتي: اخرجا يا أبا جهاد وأبا عمار"، صدم الجنود حينما خرج ماهر ورائد وهما معاقان، وبقيت الكنية ملاصقة لاسمهما، وحينما رزق ماهر بذكر سمّاه جهاد، ورائد سمّى طفله عمارًا".

"ماهر" لم يقتحم حدودًا، ولم يزل سياجًا شائكًا، ولم يحمل كاوتشوك ويشعل به نارًا، ولم يحمل مقلاعًا يقذف به حجرًا، لم يقترب يومًا من مسافة صفر، دائما كان يقف بعيدًا، حيث خيام العودة يراقب الناس من بعيد، ولم يكن سليمًا يشكل خطرًا على الجنود.

هذه الذرائع الإسرائيلية التي يدفع بها الاحتلال الإسرائيلي حينما يصيب فلسطينيًا في كل جمعة حيث الشريط الحدودي الشرقي للقطاع، نفت نفسها عن حالة "ماهر" الذي كان يعاني إعاقة حركية دحضت تلك الأكاذيب، فالاحتلال لا يحتاج إلى ذرائع ليمارس مهامه في قتل كل إنسان لمجرد أنه فلسطيني.