كشفت وفاة الطفل الفلسطيني محمد وهبة البالغ من العمر 3 سنوات الحياة في مستشفى في طرابلس بشمال لبنان وإلى جانب ما تركته من حالة استهجان وغضب في صفوف اللاجئين، بعد أن رفض مستشفى لبناني استقباله، لعدم استطاعته توفير ثمن العلاج، حجم حياة البؤس والمعاناة القاسية التي يتعرض لها اللاجئون الفلسطينيون سيما في الملف الطبي (الاستشفاء) بلبنان.
ويعتمد اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بشكل رئيس على الخدمات والدعم المالي الذي تقدمة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" للمستشفيات الأهلية والحكومية، بنسب محددة، يتحمل اللاجئون تكلفة نسبة العجز الحاصلة.
وانطلقت على مدار يومين متصلين مسيرات غاضبة داخل مخيمي "نهر البارد"، و"البداوي" شمال لبنان، احتجاجا على وفاة الطفل "وهبة"، وقد توفي بعد ساعات قليلة من دخوله لمستشفى طرابلس الحكومي، حيث كان بحاجة لإجراء عملية جراحية في الدماغ تبلغ تكلفتها 25 ألف دولار أمريكي، ولم تستطع عائلته توفير المبلغ.
ناقوس الخطر
وقال مدير عام "الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين"، علي هويدي، إنّ وفاة الطفل "وهبة" دق ناقوس الخطر بإمكانية تكرار حدوث حالات مشابهة في المستقبل نتيجة عدم مقدرة اللاجئين على سداد نسبة العجز المالية من تغطية وكالة "أونروا" للاستشفاء في المستشفيات والمراكز الصحية اللبنانية.
وأشار هويدي لـ"فلسطين"، إلى أنّ اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون في معظمهم حالات مادية صعبة وقاسية، إلى جانب ما يعيشونه من حياة بؤس وفقر مدقع، ليس بمقدورهم أن يتحملوا أي تكاليف مالية من حسابهم الخاص لاستشفائهم.
وعبر عن أمله بأن يكون وفاة الطفل "وهبة" "بوعزيزي" اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، للضغط باتجاه تحقيق التعديل والتغيير في سياسة الاستشفاء الأونروا المعتمدة، وأن تكون إلى جانب ذلك صرخة للدولة المضيفة بأنه قد آن الأوان لتمكين اللاجئ الفلسطيني من العيش بكرامة من خلال توفير حقوقه ومن بينها الحق في الاستشفاء.
وقدّر هويدي ضرورة مسألة قيام "أونروا" بتقدير أعداد المستفيدين واحتياجاتهم في لبنان بشكل دقيق، والتي كانت واحدة من الأسباب التي أدت الى وفاة الطفل "وهبة"، لافتا في السياق إلى أن تقدير "أونروا" بناء على عدد المستفيدين سنة 2018 تظهر عدم دقتها بما يكشفه مؤشر حجم معاناة اللاجئين على المستوى الصحي.
بنسبة 100%
وشدد على ضرورة تغطية "أونروا" تكلفة علاج اللاجئ الفلسطيني كاملة بنسبة 100%، وعقد ورشة عمل بمشاركة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني واللجان الشعبية والأهلية وممثلين عن الاتحاد الأوروبي والدول المانحة لتقدير أعداد المستفيدين في ملف الاستشفاء والاحتياجات بشكل جماعي.
وأضاف: "ذلك لأنه لو كان هناك تقدير دقيق للاحتياجات والأعداد لسنة ٢٠١٨ لما كنّا قد خسرنا الطفل محمد وهبة رحمه الله، ولا كنّا قد واجهنا كل الصعوبات في برنامج الاستشفاء"، مشيرًا إلى أن وضع اللاجئين الإجمالي يلزم عدم الغفول عن هذا الملف مطلقا.
وأطلقت وفاة الطفل "وهبي" ثورة على مواقع التواصل الاجتماعي ودفع أعدادًا من اللاجئين إلى إغلاق طرق وإطلاق صرخة في مخيمات فلسطينية عدّة بعنوان "كفى نموت لعدم توافر خدمات الاستشفاء للفقراء في لبنان؟".
وأوضح مدير مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان في لبنان د. محمود الحنفي، أنّ حالة وفاة الطفل "وهبة" كشفت عن مسيرة ألم طويلة عاشها اللاجئون الفلسطينيون نتيجة لعدم دعم ملف الاستشفاء كاملًا.
عشرات الحالات
وقال الحنفي لـ"فلسطين" هذه الحالة جزء من عشرات الحالات التي تعاني إن لم تكن المئات نتيجة للظروف والبيروقراطية الطبية والاجراءات التي تتخذها أونروا، وعدم شمول اللاجئ الفلسطيني للخدمات التي تقدمها وزارة الصحة اللبنانية، وتقاعس منظمة التحرير عبر مراكز الهلال التي تتبع لها".
وأكد أنّ حالة وفاة الطفل "وهبة" وضعت حقيقة اليد على مشكلة كبيرة يعاني منها اللاجئون تتعلق في قضية الاستشفاء وعدم دعم هذا الملف، مشيرا إلى أن مؤسسته تتلقى العشرات من المناشدات الأسبوعية للأسر لإنقاذ أفراد بداخلها هم بحاجة لإجراء عمليات جراحية، لا يستطيعوا تغطية التكلفة المالية لها.
وأضاف: "الطفل وهبة الذي ارتقى شهيد، يمثل نموذجا لعشرات بل مئات الحالات الإنسانية التي تبحث عن فتات كرامة على أبواب المستشفيات، ووجع ذويه يمثل صفعة لتلك الشعارات الفارغة الكرامة للجميع".
وشدد الحنفي إلى أن الأمم المتحدة عجزت على إعادة اللاجئين إلى أرضهم ووطنهم، إعمالا للقرارات الدولية، ثم عجزت مرة أخرى من جعل الوكالة الدولية فاعلة بحجم ألم اللاجئين لحين عودتهم، مضيفا "إن روح محمد وهبة وجسده المسجى بالحرمان والألم، وبراءة وجهه التي سوف تغادر الدنيا فضحت كل الوجوه القميئة وأزكمت روائحها النتنة أنوفنا".