كثفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة عقابَها الجماعي بحق أهالي منفذي العمليات الفدائية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، ظنًا منها أن تلك السياسة ستردع الفلسطينيين عن تنفيذ عمليات جديدة.
الأسير محمود الحلبي (19 عاماً) من مدينة البيرة اعتقله الاحتلال في 15 ديسمبر/ كانون أول الجاري، بتهمة تنفيذ عملية بمستوطنة "بيت إيل" قرب المدخل الشمالي لمدينة البيرة وسط الضفة الغربية المحتلة الجمعة الماضية، التي أصيب فيها جندي إسرائيلي بجراح خطرة في الرأس.
واستدعت مخابرات الاحتلال عددا من أفراد عائلة الحلبي في مدينة البيرة، من بينهم شقيق الشهيد مهند الحلبي ووالده، في إطار ملاحقتها الأسير محمود.
وكان الشهيد مهند الحلبي قد نفذ عملية طعن في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، أدت لمقتل مستوطنيْن وإصابة آخرين، كما أطلق عليه الفلسطينيون "مفجر انتفاضة القدس 2015".
واستعراضًا لدلالات عملية "بيت إيل" يرى المحلل السياسي ياسين عز الدين، أن الاحتلال فشل في تحقيق سياسة الردع لأهالي المقاومين الذين نفذوا عمليات بطولية.
وقال لصحيفة "فلسطين": "تبين أن محمود نفذ عملية طعن ثم ضرب الجندي بحجر كبير في رأسه قبل انسحابه بسلام"، عاداً ذلك ضربة أمنية كبيرة للاحتلال، حيث إن مستوطنة "بيت إيل" محصنة أمنيًّا.
وتابع قوله: "الملفت أن محمود سار على درب والده، ويدرك حجم التنكيل الذي واجهته العائلة من سلطات الاحتلال، لكنه رغم ذلك خطط ونفذ عملية نوعية، ومثله الشهداء أحمد جرار وصالح البرغوثي وحمزة أبو الهيجا، هم أبناء مقاومين، ورأوا كلفة المقاومة العالية، لكنهم ساروا على درب آبائهم. ولا ننسَ أم ناصر أبو حميد التي قدمت أبناءها الستة أسرى والسابع شهيدا، وغيرهم الكثير".
وما تقدم يعني أن إجراءات الاحتلال الانتقامية من هدم المنازل ومنع التصاريح واعتقال الأقارب، لم تردع أهالي المقاومين، ولم تردع الشعب الفلسطيني عمومًا، سوى بعض فئات الشعب التي هي بعيدة عن بيئة المقاومة، وفقا لعز الدين.
وأشار إلى أن الأمر نفسه مع الأسرى المحررين، فغالبيتهم يعودون للعمل المقاوم بعد خروجهم من السجن، ونجد أقاربهم ومعارفهم أكثر استعدادًا للانخراط بالعمل الوطني من غيرهم.
وعلل عز الدين هذا السلوك بالقول: "من يسمع عن السجن وهدم المنازل وغيرها من الإجراءات الانتقامية، تتكون داخل نفسه رهبة وخوف أكبر من الأثر الحقيقي لها، بمعنى، لو سألتم شخصًا لم يدخل السجن قط عن المعاناة داخل السجن فستجدونها أكبر في نفسه من الذي دخل السجن وعاشها حقًا، وكأن من يعيش المعاناة تكسر عنده حواجز الرهبة والخوف".
وأوضح المحلل السياسي أن سلطات الاحتلال عمدت خلال السنوات الماضية والسنة الحالية إلى سياسة تغليظ العقوبات الجماعية بحق أقارب منفذي العمليات، تخويفًا وردعًا لهم لدعمهم لأبنائها.
وأضاف: "تلجأ سلطات الاحتلال إلى العقوبات الجماعية ضد أهالي الأسرى والشهداء الذين يخرجون في الإعلام ويشجعون المقاومة، لأنهم ينسفون الحرب النفسية التي تمارسها، وتشكل دافعًا لشبان آخرين لحذو نفس الطريق".
وحكمت سلطات الاحتلال أمس، على والدة الشهيد محمد أبو غنام بالسجن لمدة 11 شهرًا بسبب نشاطها على شبكات التواصل الاجتماعي، ونَسَبَ إليها تهمًا بالتحريض من خلال 40 منشورا على "فيسبوك".
واستشهد محمد (17عامًا) برصاص الاحتلال في يوليو/ تموز 2017، عقب مواجهات اندلعت في مدينة القدس خلال "هبة البوابات الإلكترونية".
ويرى عز الدين أن العقوبات الجماعية تدفع الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة إلى ردة فعل عكسية تخالف رغبة الاحتلال، ويمسي لسان حالهم: "ليس لدينا شيء لنخسره"، والدافعية للمقاومة موجودة مسبقًا، فتأتي العقوبات لتشكل حافزًا جديدًا لانخراط أبنائهم دون سابق إنذار في العمل المقاوم.
وتمم بالقول: "نحن أمام معادلة: (التنكيل بأقارب المقاومين لا يحقق الردع)، لكنه يردع من هم بعيدون عن الواقع ولا يعيشونه أو يتصورنه"، مشيرًا إلى أن الاحتلال يبالغ في تعظيم صورة الردع إعلاميًّا بوصف المعاناة التي ستلحق بالعوائل، لكن الواقع يقول إن أقارب المقاوم الذين كسروا حاجز الخوف والصدمة هم الأكثر استعدادًا لمواجهة تلك العقوبات "ولو أدرك غيرهم هذه المعادلة لكانوا أكثر شجاعة وإقدامًا".