على ضوء الفشل الأمني في غزة والضفة الغربية، تفوح في الإعلام الإسرائيلي رائحة انتخابات إسرائيلية مبكرة، انتخابات قد يقررها حزب البيت اليهودي نفتالي بينت أو حزب كولانو موشي كحلون، ليجد حزب الليكود نفسه أمام أغلبية برلمانية تطالب بحل الكنيسيت.
انهيار الحكومة الإسرائيلية على خلفية الفشل الأمني كما يريد البيت اليهودي لا يخدم حزب الليكود في الانتخابات القادمة، وفي الوقت نفسه لا يخدم حزب المعسكر الصهيوني الذي يتزعمه آفي جباي ومن يلتف حوله من أحزاب اليسار، فمشهد المستوطنين في الضفة الغربية وعلى غلاف غزة، وهم يتظاهرون ضد انعدام الأمن، يشير إلى انزياح المجتمع الإسرائيلي باتجاه التطرف، وتزايد التأييد للأحزاب اليمينية، التي ستغدو صاحبة الكلمة العليا في المرحلة القادمة.
استطلاعات الرأي داخل المجتمع الإسرائيلي متذبذبة، وقابلة للصعود والهبوط وفق تطور الأحداث الأمنية على الأرض، ولاسيما في غزة والضفة الغربية، لذلك فإن تراجع التأييد لحزب الليكود، وفق آخر استطلاع للرأي، وحصوله على 28 مقعداً قد يدفع نتنياهو إلى احتمالين:
الأول: التصعيد مع غزة قبل الانتخابات بهدف استرداد هيبته الأمنية، وتحقيق مكاسب حزبية، وقد هدد نتنياهو بذلك، وتوعد غزة، وللإسرائيليين تجربة سابقة في هذا المضمار، حين أعطى شمعون بيرس أوامره بقصف لبنان قبل فترة قصيرة من انتخابات 1996؛ واقترف في تلك الأيام مجزرة قانا، ومع ذلك لم يكسب أصوات المتطرفين، فشل، وأعطى الناخب صوته لحزب الليكود في ذلك الوقت، وعليه فإن اختيار التصعيد غير مضمون النتائج، ولا سيما أن لدى غزة مفاجآت قد تقلب المشهد الانتخابي رأساً على عقب.
الثاني: تعزيز حالة الهدوء على بوابات غزة، وهذا بحد ذاته مكسب كبير لنتنياهو، الذي يستطيع أن يقدم الهدوء مع غزة هدية للناخب الإسرائيلي، وسيحرص نتنياهو على تقديم نفسه كرجل الأمن الذي ضمن الهدوء على حدود غزة، وأنه الأجدر بالقيادة، ولكن مكمن الخطر على مستقبل نتنياهو في هذه الحالة يكمن في الضفة الغربية، ومدى اتساع نطاق المقاومة، والتي ستنعكس بشكل مباشر على حالة الهدوء مع غزة.
فهل ستعمل حركتا حماس والجهاد على التصعيد في الضفة الغربية بهدف إسقاط حكومة نتنياهو، واستقبال ائتلاف حكومي أكثر تطرفاً من الائتلاف الحالي، أم ستحرصان على شد حبل المقاومة بدرجة محسوبة، ودون قطع، بحيث لا يصل إلى مواجهة شاملة في غزة؟
الأيام القادمة محكومة بالمفاجآت، والتطورات الميدانية، مع إدراك الجميع أن تبكير الانتخابات الإسرائيلية على خلفية الفشل الأمني سيصب في صالح الأحزاب اليمينية المتطرفة، نفتالي بينت على سبيل المثال سيفوز بعدد 10 مقاعد، وسيحصل مؤيدو قائمة رئيس الأركان السابق ببني غانتيس وفق استطلاعات الرأي الأخيرة على 16 مقعداً، بينما سيحصل حزب المعسكر الصهيوني الذي يعطي الوعود للسلطة الفلسطينية بحل سياسي، سيحصل على عشرة مقاعد فقط، ولن يفوز حزب ميرتس الذي هو صديق السلطة الفلسطينية بأكثر من أربع مقاعد.
السلطة الفلسطينية ستكون الخاسر الأكبر من جولة الانتخابات الإسرائيلية القادمة، لأن برنامجها السياسي يقوم على المفاوضات، والحكومة الإسرائيلية القادمة لن تكون حكومة مفاوضات، بل ستكون أكثر تطرفاً من حكومة نتنياهو الحالية التي ترفض عقد أي لقاء مع محمود عباس، رغم تدخل أكثر من طرف دولي بناء على طلب الأخير، بما في ذلك روسيا، وكان الرد الإسرائيلي برفض أي لقاء، بل ورفض صفقة القرن التي قد تؤدي إلى تنازلات ولو شكلية، ورفض أي حلول للقضية الفلسطينية بعيداً عن بسط النفوذ والسيطرة على أرض الضفة الغربية.
والحالة هذه، لم يبق للفلسطينيين إلا أنفسهم، وتعزيز وحدتهم الميدانية في غزة والضفة الغربية والقدس، هذه الوحدة هي القادرة على خطف زمام المبادرة من الاحتلال، ودفن مخططاته تحت جبال الضفة الغربية المهيأة لاحتضان المقاومة الشعبية والمسلحة، والتي ستفرض نفسها بالإرادة نداً للتطرف الصهيوني، ولنا بتجربة المقاومة في غزة ولبنان خير شاهد ودليل.