في الذكرى الحادية والثلاثين لانطلاقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سأتناول في هذه المناسبة مسألة مختلفة، وهي مرتبطة بمشروع القرار الأمريكي الأخير الذي يدين حماس والمقاومة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأكثر ما لفت نظري ودفعني إلى كتابة تلك السطور هو حديث مندوب المملكة العربية السعودية الشقيقة عن إدانته صواريخ المقاومة الفلسطينية "التي تستهدف المدنيين الإسرائيليين"، وذكر المندوب السعودي أن حديثه يمثل أربع دول، هي: اليمن والإمارات والبحرين والسعودية.
واضح أن لدى إعلام المقاومة ضعفًا مقابل الإعلام المعادي للمقاومة، وهو ما دفع المندوب السعودي إلى إطلاق تلك التصريحات التي تناقض قرار (3743) الذي يؤكد شرعية كفاح الشعوب ضد الاحتلال بكل الوسائل، ومنها الكفاح المسلح، وتناقض أيضًا مبادرة السلام العربية التي تنص على ضرورة انسحاب الكيان العبري من الأراضي المحتلة عام 1967م، والإقرار بقرار (194) لحل قضية اللاجئين، مدخلًا لبناء "علاقات طبيعية" مع الكيان العبري، وهو ما لا يحدث حتى الآن.
وهنا أضع المندوب السعودي، وباقي الدول التي صوتت لمصلحة مشروع القرار، أو صوتت ضده، أو امتنعت عن التصويت في صورة أخلاق المقاومة، ومدى نضجها وتطورها في تطبيق القانون الدولي، وتحكيم أخلاق الإسلام في قتال الأعداء.
يتربع كيان الاحتلال الإسرائيلي على سلم الدول العنصرية في العالم، وهذا ما تعكسه تشريعات وقوانين خرجت من (الكنيست)، آخرها قانون القومية العنصري، وهو من أكثر الدول في العالم قتلًا للأطفال، وانتهاكًا لحقوقهم، ومن يشكك في ذلك فعليه العودة لسجلات الإحصاء الرسمية، فعلى سبيل المثال لا الحصر: في عدوانه على قطاع غزة صيف 2014م استشهد 530 طفلًا، وجرح 3303 أطفال، أصبح ثلثهم بإعاقة دائمة.
وفي الضفة الغربية حرق الرضيع علي الدوابشة والطفل محمد أبو خضير، وأعدم عشرات الأطفال بدم بارد، ما يعكس حقيقة أخلاق الاحتلال الإسرائيلي التي بدأت تصل إلى الرأي العام الدولي، وهذا ما يفسر نجاح حملات المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية له.
في المقابل عكست المقاومة الفلسطينية أخلاقها في العديد من العمليات المسلحة التي قادتها، وربما لا نستطيع حصرها جميعًا لأسباب عديدة، أهمها:
1. أن الأخلاق تسري في جينات الشعوب المسلمة، وهي مستمدة من ديننا الحنيف، وعليه كان التعاطي مع هذا المبدأ تحصيل حاصل.
2. استشهاد منفذي العمليات، وبذلك دفنت أسرار عملياتهم مع جثامينهم.
3. وجود حالة وعي مرتبطة بتطور تكنولوجيا الاتصال تدرك أهمية توثيق تلك المشاهد الأخلاقية، في مقابل حالة التشويه الممنهج لنضالنا الوطني ونعته بالإرهاب.
ومن هنا أستطيع أن أوثق ست عمليات قامت بها المقاومة الفلسطينية، وعكست أخلاقًا عالية خلال تنفيذها، وتقاطعت جميعها ومسألة قتل الأطفال، وهي على النحو التالي:
1. في تمام الساعة التاسعة من مساء الثلاثاء الموافق 19/8/2003م صعد الاستشهادي رائد مسك (29 عامًا) من سكان الخليل إلى داخل حافلة في شارع (حاييم بارليف) غربي القدس، فتفاجأ بأن أغلب ركابها هم من الأطفال الصهاينة، فنزل على الفور، وانتظر حافلة أخرى كان أغلب ركابها جنودًا صهاينة، وفجر نفسه؛ فقتل 21 صهيونيًّا، وجرح 136 آخرين، جراح 12 منهم كانت خطيرة.
2. عملية أبو مطيبق: في يوم 19/7/2014م تسلل مجموعة من المقاومين خلف خطوط العدو، وفي طريقهم إلى أحد المواقع العسكرية مرت بجانبهم عدة سيارات إسرائيلية بها نساء وأطفال، ولم يطلق المقاومون النار عليهم ووصلوا إلى الموقع واستهدفوا الجنود، مع أن الاحتلال كان يرتكب مجازر خلال عدوانه على غزة بحق النساء والأطفال.
3. عملية (إيتمار) في نابلس: وقعت يوم 1/10/2015م بالقرب من مستوطنة (إيتمار) شرقي نابلس، حيث اعترض مجموعة من المقاومين سيارة للمستوطنين المتطرفين، ومن نقطة صفر أطلقوا النار على السائق وزوجته، ولم يطلقوا رصاصة على أطفالهم الثلاثة في المقعد الخلفي للسيارة.
4. في 13/10/2015م، ومع ارتفاع وتيرة انتفاضة القدس، وزيادة جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين صعد بلال غانم وبهاء عليان إلى إحدى الحافلات في مدينة القدس، وبدأا عملية بطولية أدت إلى مقتل 3 إسرائيليين، وإصابة 27 آخرين، 7 منهم حالاتهم خطيرة، حسب اعتراف الاحتلال.
ولكن في كواليس العملية التي أدت إلى استشهاد بهاء واعتقال بلال كشف أخيرًا بلال غانم تفاصيل العملية، وأخلاق منفذيها التي تعكس صورة المقاومة الفلسطينية على مر العصور، فقال بلال لمحاميه: "لقد قلت لـ(شاباك): أنزلت بيدي من الحافلة عجوزين يهوديين، وثلاثة من الأطفال، وقتلت بيدي 5 من الجنود ببدلاتهم العسكرية، ومثلي فعل شريكي الشهيد بهاء"، وختم غانم قوله: "قال لي (شاباك): (لن نضع ما تحدثت به في لائحة الاتهام؛ لأننا سنظهر قتلة أطفال وأنتم ملائكة)".
5. في يوم الجمعة 13/11/2015م وقعت عملية بطولية في جنوب الخليل، إذ استهدفت المقاومة الفلسطينية سيارة للمستوطنين المتطرفين، فقتلت اثنين، وتركت الأطفال طلقاء.
6. في العدوان الصهيوني على قطاع غزة 2014م أنذرت المقاومة سكان (تل أبيب) بأنها سوف تقصف المدينة الساعة التاسعة، وفي المواجهة الأخيرة مع غزة قبل شهر تقريبًا أصدرت غرفة العمليات المشتركة تحذيرًا لسكان عسقلان قبل القصف.
هذا ما استطعنا رصده يعبر عن سلوك عام للمقاوم الفلسطيني، لأنه ينسجم مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، وأصالة وعدالة قضيتنا الفلسطينية، ورغبة المقاومة في توصيل رسالتها إلى من يتهمها بالإرهاب: راجعوا أنفسكم؛ فمقاومتنا ليست إرهابًا، وهي منسجمة مع كل القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، والديانات السماوية.